بانر

Showing posts with label اسلاميات. Show all posts
Showing posts with label اسلاميات. Show all posts

«الأوقاف»: المساجد للعبادة والدعوة إلى الله ولا مجال فيها للسياسة



جدد وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة ، موقف الوزارة من أن المساجد للعبادة والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، ولا مجال فيها للسياسة الحزبية أو الطائفية أو المذهبية ، لأنها لما يجمع ولا يفرق وأن الناس لم تعد تحتمل أي توظيف سياسي للدين أيا كان اتجاه هذا التوظيف ، كما أن ثقتهم في العلماء والخطباء لن تعود إلا إذا تأكدوا أنهم مخلصون في دعوتهم ، صادقون مع الله والناس ومع أنفسهم ، ظاهرهم كباطنهم ، ليس لهم وجهان ولا دينان ، يظهرون أحدهما ويخفون الآخر ، وأن الناس قادرة على التمييز بوضوح بين ما هو ديني وما هو سياسي .
إقرأ المزيد

«الأوقاف» تستعد لتنظيم مائة ندوة لمواجهة «الفكر التكفيري»

وزير الاوقاف محمد مختار جمعة

وجه وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، الشيخ أحمد ترك مدير إدارة المساجد الكبرى بالترتيب لعقد مائة ندوة وأكثر من خمسين ألف ملتقى حواري، خاصة مع الشباب في المساجد الكبرى وأندية الشباب .
وأكد “جمعة”، في بيان أصدره اليوم، أن ذلك يأتي لمواجهة موجات التكفير السياسي الذي تنتهجه بعض الجماعات المتشددة والمتطرفة وتتخذ من تكفير المخالف جزافا بدون علم وسيلة لتصفية خصومها السياسيين، واستباحة دمائهم وأموالهم بغير حق، وبدون علم أو وازع من ضمير إنساني حي .
إقرأ المزيد

حديث شريف .. خمس مهلكات



يقول النبي صلى الله عليه وسلم :
كيف أنتم إذا وقعت فيكم خمس ؟ وأعوذ بالله أن تكون فيكم أو تدركوها : 
1- ما ظهرت الفاحشة في قوم قط يعمل بها فيهم علانية ؛ إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم 
2- وما منع قوم الزكاة ؛ إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ،
3- وما بخس قوم المكيال والميزان ؛ إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان ، 
4- ولا حكم أمراؤهم بغير ما أنزل الله ؛ إلا سلط الله عليهم عدوهم فاستنقذوا بعض ما في أيديهم ، 
5- وما عطلوا كتاب الله وسنة نبيه ؛ إلا جعل الله بأسهم بينهم 
إقرأ المزيد

الطيب يستقبل الوفد البرلماني البريطاني ويؤكد: ''الأزهر بعيد عن السياسة'

الطيب يستقبل الوفد البرلماني البريطاني ويؤكد: ''الأزهر بعيد عن السياسة''

استقبل اليوم الأحد، فضيلة شيخ الأزهر أحمد الطيب، وفدًا ضمّ عددًا من مجلس اللوردات والعموم البريطاني، وممثلين عن حقوق الإنسان، والأحزاب البريطانية.
وأكد الوفد خلال اللقاء، أن الشعب البريطاني يتابع الأحداث التي مرت بها مصر عن كثب، ويتمنى للشعب المصري استكمال مسيرة الاستقرار بما يحقق آماله وتطلعاته.
من جانبه قال الطيب، إن ''دور الأزهر كان دائمًا ولا يزال دورًا وطنيًا، ليس له شأن في السياسة، كما أننا نحتاج في هذه المرحلة إلى تضافر الجهود، من جميع أطياف ومؤسسات وأفراد الشعب كي نحقق ما نصبو إليه من آمال وطموحات''.
وقال شيخ الأزهر، إن ''الأزهر يتمنى لمصر الاستقرار، والخروج من المرحلة الراهنة بأكبر المكاسب من الديمقراطية، والحرية، والعدالة، ويرجو أن تستعيد مصر قوتها الثقافية والاقتصادية والسياسية، مشيرًا إلى أن الأزهر يعمل جاهدًا على صيانة الوحدة الوطنية من خلال بيت العائلة الذي يجمع المصريين جميعًا مسلمين ومسيحيين، وكذلك من خلال القوافل التي تجوب البلاد طولا وعرضًا، لنشر ثقافة الوسطية التي هي حقيقة الدين الإسلامي''.
وشدد فضيلته على أن الأزهر لم يتخل يومًا عن دوره الوطني، وقد واكب الأحداث بوثائقه المتعددة التي أصدرها، والتي كانت محل تقدير وقبول من الشعب المصري بكافة أطيافه، ومن المجتمع الدولي أيضا.
وأكّد فضيلته في ختام اللقاء، أنه إذا أراد الغرب أن يتعرف على الرؤى الحقيقية بالنسبة لمصر، فلا بد من الأخذ في الاعتبار رغبات الشعوب في المقام الأول.

إقرأ المزيد

علماء الأزهر والأوقاف يزورون العاشر من رمضان لنشر الفكر الإسلامي الصحيح



زارت قافلة دينية تضم 15 من علماء الأزهر الشريف والأوقاف، مدينة العاشر من رمضان بالشرقية، حيث عقد المشاركون فيها لقاءات مع عدد من عمال المصانع و الشباب والموظفين، وذلك بهدف توضيح و نشر الفكر الإسلامي الوسطي الصحيح، بعيدا عن التطرف والتعصب
وطالب العلماء خلال لقاءاتهم، الحكومة بالتطوير الشامل للمناطق العشوائية، و توفير الخدمات التعليمية والصحية والأمن الاجتماعي للمقيمين بها، وذلك بالتعاون مع رجال الأعمال و تضافر الجهود بين جميع الجهات المعنية .
وقال العلماء إن هذا يهدف لإنقاذ الأجيال الناشئة في تلك العشوائيات من مختلف الأمراض الاجتماعية، مثل الإرهاب والتطرف، مؤكدين استغلال الجماعات المتطرفة لفقر وجهل شباب تلك العشوائيات، وتجنيدهم لصالح تلك الجماعات تحت ستار الدين
وأشار إلى أن تعاليم الدين الإسلامي الحنيف تؤكد على رعاية الفقير، بما يتلاءم و آدميته، و يؤدي إلى تآلف أفراد و طبقات المجتمع و انصهاره في بوتقة واحدة، مؤكدين أن الإسلام يعتبر رعاية الفقير فريضة على كل مسلم في حدود طاقته، ويلتزم بأدائها من باب فروض الكفاءات.

إقرأ المزيد

قصة إسلام أبي ذر


قصة إسلام أبي ذر


كان أبو ذر - رضي الله عنه ـ من قبيلة غفار الواقعة بين مكة والمدينة، وقد اشتهرت هذه القبيلة بالسطو، وقطع الطريق على المسافرين والتجار وأخذ أموالهم بالقوة . وكان ـ رضي الله عنه ـ قبل إسلامه يأبى عبادة الأصنام، وينكر على من يشرك بالله، ولما سمع بأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أرسل أخاه، ليعلم له علم ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ ويسمع من قوله ثم يأتيه، فانطلق الأخ حتى أتى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر فقال له : " رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلامًا ما هو بالشعر "، فقال أبو ذر: ما شفيتني مما أردت، وعزم على الذهاب بنفسه لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

ويروي لنا البخاري في صحيحه قصة إسلام أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ فيقول: ( قال لنا ابن عباس: ألا أخبركم بإسلام أبي ذر؟، قال : قلنا : بلى، قال : قال أبو ذر : كنت رجلا من غفار ، فبلغنا أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أنه نبي ، فقلت لأخي : انطلق إلى هذا الرجل كلمه وأتني بخبره ، فانطلق فلقيه ثم رجع ، فقلت : ما عندك ؟ فقال : والله لقد رأيت رجلا يأمر بالخير وينهى عن الشر ، فقلت له : لم تشفني من الخبر ، فأخذت جرابا وعصا ، ثم أقبلت إلى مكة ، فجعلت لا أعرفه ، وأكره أن أسأل عنه ، واشرب من ماء زمزم وأكون في المسجد ، قال : فمر بي عليّ ـ رضي الله عنه ـ فقال : كأن الرجل غريب ؟!، قال : قلت : نعم ، قال : فانطلق إلى المنزل ، قال : فانطلقت معه ، لا يسألني عن شيء ولا أخبره ، فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه ، وليس أحد يخبرني عنه بشيء ، قال : فمر بي عليّ ، فقال : أما نال للرجل يعرف منزله بعد ؟ قال : قلت : لا ، قال : انطلق معي ، قال : فقال : ما أمرك ، وما أقدمك هذه البلدة ؟ قال : قلت له : إن كتمت عليَّ أخبرتك ، قال : فإني أفعل ، قال : قلت له : بلغنا أنه قد خرج ها هنا رجل يزعم أنه نبي ، فأرسلت أخي ليكلمه ، فرجع ولم يشفني من الخبر ، فأردت أن ألقاه ، فقال له : أما إنك قد رشدت ، هذا وجهي إليه فاتبعني ، ادخل حيث ادخل ، فإني إن رأيت أحدا أخافه عليك ، قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي وامض أنت ، فمضى ومضيت معه حتى دخل ودخلت معه على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقلت له : اعرض علي الإسلام ، فعرضه فأسلمت مكاني ، فقال لي : يا أبا ذر ، اكتم هذا الأمر ، وارجع إلى بلدك ، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل ، فقلت : والذي بعثك بالحق ، لأصرخن بها بين أظهرهم ، فجاء إلى المسجد وقريش فيه ، فقال : يا معشر قريش ، إني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، فقالوا : قوموا إلى هذا الصابئ ، فقاموا فضربت لأموت ، فأدركنيالعباس فأكب عليَّ ثم أقبل عليهم ، فقال : ويلكم ، تقتلون رجلا من غفار ، ومتجركم وممركم على غفار ، فأقلعوا عني ، فلما أن أصبحت الغد رجعت ، فقلت مثل ما قلت بالأمس ، فقالوا : قوموا إلى هذا الصابئ ، فصنع بي مثل ما صنع بالأمس ، وأدركني العباس فأكب عليّ ، وقال مثل مقالته بالأمس . قال : فكان هذا أول إسلام أبي ذر ) .

من اللحظة الأولى لإسلام أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ حمل هم الدعوة إلى الله، فدعا أخاه وأهله وقبيلته للدخول في الإسلام فأسلموا جميعا ، ففي رواية لمسلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لأبي ذر: ( إنه قد وجهت لي أرض ذات نخل، لا أراها إلا يثرب، فهل أنت مبلغ عني قومك، عسى الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم، فأتيت أنيسا فقال: ما صنعت؟، قلت: صنعت أني قد أسلمت وصدقت، قال: ما بي رغبة عن دينك . فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفارا، فأسلم نصفهم، وكان يؤمهم إيماء بن رحضة الغفاري - وكان سيدهم، وقال نصفهم: إذا قدم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة أسلمنا. فقدم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأسلم نصفهم الباقي، وجاءت أسلم فقالوا: يا رسول الله، إخوتنا، نسلم على الذي أسلموا عليه، فأسلموا، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله ) .

ومن قصة إسلام أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ يظهر لنا حكمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحرصه على أمن أصحابه وسلامتهم، حيث أمر أبا ذر بالرجوع إلى أهله وكتمان أمره حتى يظهره الله، فقال له : ( يا أبا ذر ، اكتم هذا الأمر، وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل )، وصدق الله تعالى إذ قال عن نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ : { حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ }(التوبة: من الآية128) .

ومع فضل ومنزلة أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ، الذي قال عنه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ما تُقِلُّ الغَبراءُ ولا تُظِلُّ الخضراءُ على ذي لهجةٍ أصدقَ وأوفَى من أبي ذرٍّ ـ شبيهِ عيسى بن مريم ـ فاعرِفوا له ) رواه ابن حبان ، ومع الأثر الدعوي الكبير له إذ أسلم قومه جميعا على يديه، فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأى أنه لا يصلح للإمارة, فلكل شخص مجاله الذي يصلح له, وميدانه الذي يقوم بواجبه فيه، وهذا درس نبوي يبين حكمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تعامله وتربيته لأصحابه، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: (قلت: يا رسول الله ألا تستعملني؟، قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها ) رواهمسلم .
قال النووي : " قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها )، وفي الرواية الأخرى: ( ياأبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم).هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية، وأما الخزي والندامة فهو في حق من لم يكن أهلا لها، أو كان أهلا ولم يعدل فيها، فيخزيه الله تعالى يوم القيامة ويفضحه، ويندم على ما فرط " . 

والمتأمل في قصة إسلامِ أبي ذرّ وشخصيته عموماً، يدركُ أثرَ تربية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه في تغيير عاداتهم وأخلاقهم إلى الأحسن والأفضل، فغفارَ - التي ينتسب لهاأبو ذرّ كانت من الشِّدة والقسوة ما جعلَها في طليعة القبائل القائمة على الغارة والنهب والسَّلْب، حتى إذا قذفَ اللهُ الإسلامَ في قلب أبي ذرّ وقومه تغيرت الحال، وصار أبو ذرٍّ ـ رضي الله عنه ـ نموذجاً للزُّهد والعفاف، حتى ودّعَ الدنيا وهو لا يملك من متاعها شيئا، فقد روى ابن حبان في صحيحه عن أمِّ ذرٍّ - رضي الله عنها - قالت: ( لما حضرتْ أبا ذرٍّ الوفاةُ بكيتُ، فقالأبو ذر: ما يُبكيك؟ فقلتُ: ما لي لا أبكي وأنتَ تموتُ في فَلاةٍ من الأرض، ليس عندي ثوبٌ يَسعُكَ كفناً، ولا يَدَانِ لي في تَغييبكَ، قال: أبشري ولا تبكي، فإني سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ لنفرٍ أنا فيهم: ليَموتَنّ رجلٌ منكم بفلاةٍ من الأرض يَشهدُهُ عصابةُ(جماعة) من المسلمين، وليسَ أحدٌ من أولئكَ النفرِ إلا وقد ماتَ في قرية وجماعة، فأنا ذلك الرجلُ، فوالله ما كَذَبْتُ ولا كُذِبْتُ، فأبصري الطريقَ. فقلتُ: أَنّى وقد ذَهبَ الحاجُّ وتقطَّعتِ الطرقُ، فقال: اذهبي فتبصَّري، قالت: فكنتُ أُسندُ إلى الكَثيبِ (الرمل) أتبصّرُ، ثم أرجعُ فأمَرضهُ، فبينما أنا وهو كذلك، إذ أنا برجالٍ على رحالِهم، كأنهم الرّخَمُ (نوع من الطير)، تَخُبُّ بهم رواحلُهم، قالت: فأشرتُ إليهم فأسرعوا إليّ حتى وقفوا عليَّ، فقالوا: يا أمة الله ما لكِ؟ قلتُ: امرؤٌ من المسلمين تُكفِّنونه، قالوا: ومن هو؟ قلت: أبو ذرٍّ، قالوا: صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم-؟!، قلتُ: نعم، فَفدَوه بآبائهم وأمهاتهم وأسرعوا عليه حتى دخلوا عليه، فقال لهم: أبشروا، فإني سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لنفرٍ أنا فيهم: لَيَموتنّ رجلٌ منكم بفلاةٍ من الأرضِ يشهدُه عصابةٌ من المؤمنين، وليس من أولئك النفرِ رجلٌ إلا وقد هلكَ (مات) في جماعة، والله ما كَذَبتُ ولا كُذبتُ، إنه لو كان عندي ثوبٌ يَسعُني كفنٌ لي أو لامرأتي لم أكفّن إلا في ثوبٍ هو لي أو لها، فإني أُنشدكم اللهَ، ألا يكفنني رجلٌ منكم كان أميراً أو عريفاً أو بريداً أو نقيباً وليس من أولئك النفرِ أحدٌ إلا وقد قارفَ بعضَ ما قال إلا فتىً من الأنصار، قال: أنا يا عمُّ أُكفنكَ في ردائي هذا، وفي ثوبين من عَيبتي من غَزْلِ أُمي، قال: فكفِّني، فكفّنه الأنصاريُّ، وقاموا عليه وكفَّنوهُ في نَفَرٍ كلُّهم يَمانٍ ) .

رضي الله عن أبي ذر ، وعن سائر أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..
إقرأ المزيد

عند اقامه الصلاه نهانا الرسول عن فعل اشياء وهى..؟؟

قال رسول الله صل الله عليه وسلم(( إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون ، وأتوها تمشون ،
وعليكم السكينة ، فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا ))
شرح الحديث
لو أقيمت الصلاة وسمعتم الإقامة، فلا تأتوها وأنتم تسعون، أي تركضون، بل ائتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة.
نهي النبي صل الله عليه وسلم عن الركض والهرولة والاستعجال إلى الصلاة المنافي للسكينة، ولو كان القصد هو الحرص على إدراك الصلاة.
«إذا أتيتم الصّلاة فعليكم السّكينة» والسكينة من السكون والتأني وترك العبث،
“وما فاتكم فأتموا ” فالإتمام لغة وشرعاً يعني إتمام ما تبقى، وتكميل ما فات، من الصلاة أو غيرها،
المستفاد من الحديث :::
الحث على إتيان الصلاة بالسكينة والوقار، والنهي عن إتيانها سعيا أو ركضا أو هرولة، سواء كان ذلك في صلاة الجمعة أو في غيرها من الصلوات، وسواء أُقيمت الصلاة أو لم تقم، وسواء خاف فوات الركعة أو لم يخف، فالجميع سواء في الحكم النبوي.
ما هو الفرق بين قول النبي صل الله عليه وسلم «فلا تأتوها وأنتم تسعون، واتوها وأنتم تمشون» وقول الله تعالى {فاسْعوا إلى ذكْر الله} (الجمعة)؟
ما هو الفرق بين قول النبي صل الله عليه وسلم «فلا تأتوها وأنتم تسعون، واتوها وأنتم تمشون» وقول الله تعالى {فاسْعوا إلى ذكْر الله}
فالجواب: أن السعي في الآية يقصد به: العمل والذهاب، أي إذا نودي للصلاة هو الذهاب والفعل، يعني اشتغلوا بالذهاب إلى الجمعة، ولا تشتغلوا بشيء آخر من البيع والشراء وغيرها من العقود.
و قال الله تعالى {وأنْ ليسَ للإنسان إلا ما سَعَى} (النجم).
أي: ليس له إلا ما عمل، وما قدّم من فعل وقول.
تخريج الحديث
الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم – المصدر: صحيح مسلم – الصفحة أو الرقم: 602 خلاصة حكم المحدث: صحيح

إقرأ المزيد

طريقة القضاء على السرحان اثناء الصلاة


 الدكتور عمر عبدالكافى
يتحدث عن الحل الوحيد لمعالجة السرحان فى الصلاه

إقرأ المزيد

خمس معلومات دينية بسيطة تأخذك الى الجنة


1-عندما ينطق بالأذان فلا تحركو ألسنتكم إلا بالدعاء لأن من يتحدث لحظة الأذان
فإن الملاائكة تلعنه حتى ينتهي المؤذن ، انشر فغيرك لا يعلم ، اللهم قد بلغت اللهم فأشهد . . *!
  ....2- وهل تعلم اين توضع ذنوبك وانت في صلاتك !!!
قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم ( ان العبد اذا قام يصلي اتى بذنوبه كلها فوضعت على راسه وعاتقيه فكلما ركع او سجد تساقطت عنه )
يامن تتعجل في الركوع والسجود اطل سجودك و ركوعك بقدر ماتستطيع لتتساقط عنك الذنوب فلاتفوت هذا الاجر " من گتم علما لجمہ اللہ بلجام من نار يوم القيآمه " . . *!
  3- ماتت امرأه صالحه فكانوا كلما زاروا قبرها وجدوا رائحة تراب القبر (ورداً) فقال زوجها إنها كانت لاتترك قراءة سورة الملك قبل نومها
فهنيئا لمن جعل قراءتها عادة له فإحرص عليها لأنها تنجي من عذآب القبر" آخبر بها من تحب " ولأني أحبك آخبرتك . . *!
  4- هل تعلِم :
عند قرآءة آية الكرسي بعد كل صلآة يصبح بينك وبين الجنه الموت فقط ،
  5- عند الانتهاء من الصلاة لا تستعجل وأبقى جالسا مدة لأن الملائكة تدعي لك
إقرأ المزيد

معلومات عن مسجد الرسول صلى الله عليه و سلم


المنظر العام للمسجد النبوي

ثاني المساجد التي تشد إليها الرحال في الإسلام بعد المسجد الحرام . ويقع المسجد النبوي الشريف شرق المدينة المنورة . وكان له دور بارز في تاريخ الإسلام ومكانة عظيمة في نفس كل مسلم؛فهو المسجد الذي أسسه النبي صلى الله عليه وسلم على التقوى من أول يوم؛ليكون منارة تنير طريق البشرية جميعها ومدرسة تربى فيها وتخرج منها أعظم الرجال في تاريخ الإنسانية كلها ومركزا عظيما لانطلاق الدعوة وانتشار الإسلام. وقد مجده الله تعالى في كتابه العزيز في سورة التوبة: (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه. فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين). والصلاة في المسجد النبوي لها ثواب كبير. قال صلى الله عليه وسلم: “صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام” [البخاري]. وقال صلى الله عليه وسلم: “ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة”. [البخاري]

نبذة تاريخية

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة مهاجرا ووصل إلى المدينة المنورة بعد رحلة طويلة وشاقة وخرج أهل المدينة لاستقباله فنزل النبي صلى الله عليه وسلم أول الأمر ووضع أساس مسجد قباء ثم خرج من هناك والناس يتزاحمون عليه. كل واحد منهم يريد أن يأخذ بزمام ناقته ويستضيفه عنده فكان صلى الله عليه وسلم يقول لهم في رفق: “خلوا سبيلها فإنها مأمورة”. وسارت الناقة في طرقات المدينة وأهل كل حي يتمنون أن ينالوا شرف نزول النبي صلى الله عليه وسلم عندهم.
وأخيرا توقفت الناقة في مكان لتجفيف التمر يملكه غلامان يتيمان من الأنصار فنزل صلى الله عليه وسلم وهو يقول: “هاهنا المنزل إن شاء الله”. وكان ذلك المكان قريبا من بيت “أبي أيوب” فحمل متاع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته ثم عرض الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشتري ذلك الموضع فقيل له: بل نقدمه لك دون ثمن يا رسول الله فرفض صلى الله عليه وسلم أن يأخذه دون أن يدفع ثمنه فاشتراه بعشرة دنانير وأقام عليه مسجده.
بدأ النبي صلى الله عليه وسلم في بناء مسجده الشريف في المدينة؛ ليكون مركزا لإقامة الشعائر الدينية وإدارة شئون الناس وحاجاتهم. وعمل صلى الله عليه وسلم بنفسه في بناء ا لمسجد؛ فكان يحفر الأرض ويحمل الحجارة ويشارك صحابته.
ولما تم بناء المسجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت مساحته حوالي (1600) متر مربع، وكانت أرضه من الرمال، وسقفه من الجريد، وأعمدته من جذوع النخل، وحوائطه من الحجارة والطوب اللبن، وكانت قبلته ناحية بيت المقدس حيث ظل المسلمون يتجهون في صلاتهم إلى بيت المقدس قرابة (16) شهرا إلى أن تحولت القبلة إلى الكعبة بأمر من الله تعالى قبل غزوة بدر بشهرين تقريبا.
وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم لمسجده ثلاثة أبواب وأعد في مؤخرته مكانا مظللا (صفة) لنزول الغرباء وعابري السبيل والفقراء ومن لا مأوى لهم ولا أهل ممن عرفوا بعد ذلك بأهل الصفة.
وفي عهد أبي بكر الصديق قام رضي الله عنه ببعض الإصلاحات والترميمات للمسجد النبوي الشريف فوضع أعمدة خشبية جديدة مكان الأعمدة التي أصابها التآكل ولم يزد في المسجد شيئا؛ وذلك بسبب انشغاله بحروب الردة بالإضافة إلى قصر مدة خلافته.
وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه اتسع المسجد حتى بلغت مساحته قريبا من (6400) متر مربع. وقد أوصى الفاروق الصانع بقوله: “أكن (احفظ) الناس من المطر. وإياك أن تحمر أو تصفر (تدهن بالون الأحمر أو الأصفر) فتفتن الناس”. وقد أزالت التوسعة العمرية المباني والبيوت المحيطة بالمسجد من جهات الغرب والشمال والجنوب. أما جهة الشرق فقد ظلت كما هي من غير زيادة؛ حيث كانت توجد حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم زادت مساحة المسجد في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه فبلغت (8000) متر مربع، وبنيت جدرانه بالحجارة المنقوشة، وزود سقفه بالساج وأضيفت إليه أبواب جديدة.
أما في العهد الأموي فقد حظي المسجد باهتمام الخليفة الوليد بن عبد الملك، حيث تم توسيع المسجد النبوي وإعادة بنائه؛ فبنيت أعمدته من الحجارة المحشوة بالحديد و الرصاص ، واستخدمت الحجارة المنقوشة والجص والفسيفساء والطلاء في أعمال البناء، واستعمل الساج في تغطية السقف وأدخلت حجرات نساء النبي صلى الله عليه ضمن المسجد لأول مرة. ولم يدخر الوليد بن عبد الملك جهدا في سبيل تحسين المسجد وإظهاره بالمظهر اللائق بالرسول صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين أجمعين حتى إنه كان يكافئ العامل الماهر الذي يعمل في المسجد بثلاثين درهما زيادة على أجره المقرر.
أما في العهد العباسي فقد اهتم خلفاء العصر العباسي برعاية المسجد النبوي الشريف وعمارته؛ فتم تجديده وزيادة مساحته وكتابة الفاتحة وبعض آيات القرآن على جدرانه، ثم توالت الترميمات والإصلاحات. وفي ليلة الجمعة أول شهر رمضان 654هـ /1256 م. شب حريق كبير في المسجد بسبب غفلة خادمه فبادر الخليفة العباسي المعتصم بالله بإعادة تعميره وترميمه وتحسينه.
وفي عهد السلطان العثماني عبد المجيد اهتم بالمسجد فكانت أجمل عمارات المسجد وأكثرها إتقانا. فعندما كتب إليه شيخ الحرم داود باشا يخبره بالتصدع الذي ظهر في بعض أجزائه، اهتم السلطان بالأمر وأرسل مهندسين وعمالا لعمارة المسجد وإعادة بنائه، واستغرق العمل (13) عاما خرج المسجد بعدها آية في الجمال والإبداع وكان يتكون من (12) بائكة (صف من الأعمدة). وكل بائكة تضم (27) عمودا تعلوها قباب مزخرفة مرسوم على بعضها مناظر طبيعية تمثل المدن التركية؛ كإستانبول وأنقرة وقد بنيت الأعمدة المحيطة بالقبلة من حجر الصوان المغطى بطبقة من المرمر، وقد زينت تيجانها بماء الذهب وكسيت قواعدها بالنحاس الأصفر. وتصل بين تيجان الأعمدة ألواح خشبية مغطاة بصفائح من النحاس الأصفر، وتتدلى منها سلاسل ذهبية وفضية تحمل الثريات (النجف) والمشكاوات (ما يحمل عليه أو يوضع فيه المصباح أو القنديل).
وفي العصر الحالي في عهد الدولة السعودية شهد المسجد النبوي طفرة واسعة في توسيعه وتجميله وتحسينه بداية من عهد الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية، ومرورا بعهود الملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد، وانتهاء بعهد الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود؛ حيث تمت في هذا العهد أربع توسعات كبيرة.
ولقد شملت التوسعة الأولى ترميم ما تصدع من المسجد وتجميله وإصلاح الحجرة النبوية المطهرة وقبتها الخضراء ومصلى النبي صلى الله عليه وسلم والمنبر والأعمدة الأثرية والمئذنة الرئيسية، مع الإبقاء على العمارة المجيدية (نسبة إلى السلطان عبد المجيد) التي حدثت في عهد السلطان عبد المجيد العثماني. ولقد أحدث الملك عبد العزيز زيادة في عدد أبوابه فأضاف إليه خمسة أبواب جديدة هي: باب الملك، وباب عمر بن الخطاب، وباب عثمان بن عفان، وباب عبد العزيز، والباب المجيدي. فأصبحت بمجموعها عشرة أبواب بالإضافة إلى الخمسة الأولى: باب السلام، وباب الرحمة، وباب جبريل، وباب النساء، وباب الصديق. ثم كانت التوسعة الثانية في ظل حكم الملك فيصل بن عبد العزيز؛وشملت إضافة مساحة جديدة إلى المسجد وتظليلها وتجهيزها لإقامة مصلى كبير. ثم التوسعة الثالثة فتمت في عهد الملك خالد بن عبد العزيز؛حيث أضيفت مساحة جديدة على شكل ميدان فسيح مظلل إلى أرض المسجد. ثم كانت التوسعة الرابعة وهي توسعة الملك فهد بن عبد العزيز أكبر وأضخم توسعة للمسجد النبوي الشريف حتى الآن؛حيث تضاعفت مساحة المسجد عشرات المرات، وتسخير كافة الإمكانات من أجل توفير الراحة لأعداد المصلين والزائرين الكثيرة والمتتابعة. فتم تجهيز السطح وبناء سبعة مداخل رئيسية جديدة، إضافة إلى مدخلين من الناحية الجنوبية. ولهذه المداخل بوابات يصل عددها إلى (59) بوابة ويضاف إلى ذلك (8) بوابات لمداخل ومخارج السلالم الكهربية المتحركة التي تخدم سطح المسجد المخصص للصلاة، جنبا إلى جنب مع (18) سلما داخليا، فضلا عن سلالم الخدمة. وقد استخدمت التقنية الحديثة في أعمال الكهرباء، وتكييف الهواء، وتوزيع المياه والصرف الصحي، وإعداد الساحات الخارجية، وتغطية الأرض بالرخام وقد بلغت الطاقة الاستيعابية للمسجد وما يحيط به من ساحات (650 ألف) مصل في الأيام العادية تزداد في أيام الحج والعمرة لتصل إلى حوالي مليون مصل.
ويتميز المسجد حاليا بأعمال الحليات والزخارف كالكرانيش التي تجمل الحوائط والأسقف والمآذن وأعمال الحديد المشغول والمشربيات والشبابيك وتيجان الأعمدة وأعمال التكسية بالرخام والحجر الصناعي للمداخل والواجهات الخارجية والأعمدة الداخلية. ولتلطيف الهواء داخل الحرم النبوي الشريف ثم استحداث نظام جديد؛ وذلك بتبريد الهواء من خلال مواسير المياه الباردة.
وتحيط بالمسجد ساحات وطرق ومواقف للسيارات ومرافق تجارية وحكومية وتسهيلات عديدة لخدمة زوار المسجد النبوي الشريف مثل: أماكن الوضوء، ودورات المياه، والساحات المغطاة بالرخام المصنع وفق أشكال هندسية إسلامية وبألوان مختلفة.
الحجرة النبوية



الحجرة النبوية

الروضة الشريفة

توجد الحجرة النبوية في الجزء الجنوبي الشرقي من المسجد وهي محاطة بمقصورة (حجرة خاصة مفصولة عن الغرف المجاورة فوق الطبقة الأرضية) من النحاس الأصفر. ويبلغ طول المقصورة (16) مترا وعرضها (15) مترا ويوجد بداخلها بناء ذو خمسة أضلاع يبلغ ارتفاعه نحو (6) أمتار بناه نور الدين زنكي ونزل بأساسه إلى منابع المياه ثم سكب عليه الرصاص حتى لا يستطيع أحد حفره أو خرقه وداخل البناء قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقبرا أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- وفي شمال المقصورة النبوية وجد مقصورة أخرى نحاسية ويصل بين المقصورتين بابان. ويحيط بالحجرة النبوية أربعة أعمدة أقيمت عليها القبة الخضراء التي تميز المسجد أما الروضة الشريفة فهي بين المنبر وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ويبلغ طولها (22) مترا، وعرضها (15) مترا.

المنبر

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بين أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو فطلب الصحابة إليه أن يجعلوا له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه فبنوه له دكة من طين كان يجلس عليه. فالمنبر في أوله كان دكة من طين يجلس عليها الرسول صلى الله عليه وسلم ليعرفه الغريب ويخطب عليها يوم الجمعة. ومن المحتمل أن المنبر المتخذ من الطين كان إلى جانب الجذع وقد كان بناء المنبر من خشب الغابة القريبة من المدينة في السنة الثامنة أو التاسعة من الهجرة فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب قام فأطال القيام فكان يشق عليه قيامه فأتى بجذع نخلة فحفر له وأقيم إلى جنبه قائما للنبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا خطب فطال القيام عليه استند فاتكأ عليه فبصر به رجل كان حديث عهد بالمدينة فقال لمن يليه من الناس: لو أعلم أن محمدا يحمدني في شيء يرفق به لصنعت له مجلسا يقوم عليه فإن شاء جلس ما شاء وإن شاء قام فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ائتوني به فأمره أن يصنع له هذه المراقي الثلاث فوجد النبي في ذلك راحة فلما فارق النبي صلى الله عليه وسلم الجذع وعمد إلى هذه التي صنعت له حزن الجذع فحن كما -تحن الناقة- حين فارقه النبي صلى الله عليه وسلم فنزل النبي صلى الله عليه وسلم من على المنبر وربت على الجذع فسكن.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على الدرجة الثالثة من المنبر فلما خطب أبو بكر نزل درجة ثم عمر درجة وكان عثمان يقوم على الدرجة السفلى ويضع رجليه على الأرض ست سنين من خلافته ث م لما ازداد رواد المسجد صعد عثمان إلى موضع وقوف النبي صلى الله عليه وسلم حتى يراه الناس وهو يخطب. وزاد مروان بن الحكم في المنبر ست درج من أسفله وبذلك رفع المنبر النبوي لأعلى وفسر ذلك بقوله: “إنما زدت فيه لما كثر الناس”. واستمر المنبر على هذا الحال حتى احترق المسجد عام 654هـ / 1256 م. ومن بعده زال ملك دولة بني العباس ثم جدد المظفر صاحب اليمن منبرا له رمانتان من الصندل فوضعه موضع المنبر النبوي عام 656هـ / 1258 م.
ثم أرسل بعد ذلك الظاهر ركن الدين بيبرس منبرا فوضعه مكان منبر مظفر اليمن ثم أرسل الظاهر برقوق منبرا آخر عام 797هـ / 1395 م. فوضع مكان منبر بيبرس ثم أرسل المؤيد شيخ منبرا عام 820هـ / 1417 م. وقد احترق هذا المنبر في عام 886هـ / 1481 م. فبنى أهل المدينة في موضعه منبرا من آجر طلي بالنورة واستمر يخطب عليه إلى رجب 888هـ / 1482 م. فهدم ثم بني في موضعه المنبر الرخام للأشرف قايتباي ثم أرسل السلطان مراد خان منبرا مصنوعا من الرخام عام 998هـ / 1590 م. وأبدعوا في تصنيعه غاية الإبداع وهو من عجائب الدنيا.
المآذن

المحراب النبوي

لم يكن للمسجد عندما بني مئذنة، فكان بلال رضي الله عنه يؤذن من أعلى سطح يجاور المسجد. وكان الوليد بن عبد الملك أول من أحدث المحراب والشرفات كما أدخل المآذن وكان عددها أربع مآذن؛ عند كل زاوية من زوايا المسجد مئذنة. وقد أشرف على هذه الأعمال عمر بن عبد العزيز أيام ولايته على المدينة.
وفي عهد السلطان المملوكي الأشرف قايتباي -سلطان المماليك بمصر- أصاب حريق آخر المسجد بسبب سقوط صاعقة، هدمت المئذنة الرئيسية، وأشعلت النيران بالسقف وبقبة الحجرة النبوية، وأبواب المسجد، وخزائن الكتب. فأرسل السلطان الأمير سنقر إلى المدينة المنورة لعمارة المسجد النبوي الشريف وإعادة بنائه. فقام سنقر بإعادة بناء المئذنة والجدران وترميم الحجرة الشريفة وصنع منبرا وبنى مدرسة إلى جوار المسجد عرفت بالمدرسة المحمودية.
وفي عهد الملك فهد بن عبد العزيز مع التوسعة السعودية الرابعة للمسجد تم بناء ست مآذن جديدة بارتفاع (99) مترا، وتصبح (105) أمتار إذا أضيف إليها ارتفاع الهلال، أي بزيادة (33) مترا عن ارتفاع المآذن الأربع القديمة: العزيزية، والسنجارية، والرئسية، وباب السلام.

الصفة

وهي ظلة كانت في مؤخرة المسجد من الناحية الجنوبية عندما كانت الصلاة إلى بيت المقدس وكان لها باب ثم انتقل مكانها شمالا بعد تحويل القبلة واتخذت من الركن الشمالي الشرقي مكانها، وهي غربي الموضع الحالي الذي يعرف بدكة الأغوات جنوب القبر الشريف، والصفة كانت مأوى الغرباء من المهاجرين الذين لا مأوى لهم في المدينة وكانوا يبيتون في المسجد إلى أن يجدوا عملا في مجتمع المدينة فمن وجد عملا ترك الصفة واتخذ له مسكنا يقيم فيه وهكذا كان عدد أصحاب الصفة يقل أحيانا، ويكثر أحيانا أخرى حتى بلغ في وقت من الأوقات ستمائة صحابي وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُجالسهم ويُشركهم في طعامه وشرابه. وكان الصحابي يستضيف الواحد والاثنين أو أكثر من أهل الصفة ليطعمهم في بيته وكانوا يأتون بالرطب يعلقونها في سقف الظلة وقد كان من أشهر أهل الصفة أبو هريرة رضي الله عنه الذي يقول: “لقد رأيت معي في الصفة ما يزيد على ثلاثمائة ثم رأيت بعد ذلك كل واحد منهم واليا أو أميرا وقد بشرهم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم يوما حين مر عليهم”. وظل أصحاب أهل الصفة يتناقصون كلما فتح الله على المسلمين حتى خرجوا جميعا إلى بيوتهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وانتهت بذلك إقامة فقراء المهاجرين في المسجد.

المكتبة

يضم المسجد النبوي العديد من خزائن الكتب التي أصبحت قائمة في عهد المماليك، كما أنشأت عدة مكتبات جديدة بعضها ملحق بالأربطة والمدارس، وبعضها مستقل، إلا أن معظمها كان يدور في فلك المسجد النبوي. وقد تطور إنشاء المكتبات خلال العهد العثماني الطويل، حتى بلغ ذروته في القرن الثالث عشر الهجري / التاسع الميلادي، وفيه أسست أشهر مكتبات المدينة. وقد بلغ عدد المكتبات في أواخر العهد العثماني (88) مكتبة ما بين عامة وخاصة. أما أوسع المكتبات شهرة لما تحويه من ذخائر ومخطوطات فهي مكتبة عارف حكمت التي أسسها عارف حكمت وهو عالم تركي، تولى قضاء القدس ثم قضاء مصر ثم قضاء المدينة المنورة.

التدريس

شهدت المدينة المنورة على مر العصور قدوم أعداد كبيرة من العلماء من الشام ومصر والمغرب وآسيا الوسطى والهند. وقد سكن هؤلاء المدينة مدة من الوقت تتراوح بين السنة وعدة سنوات للمجاورة، أي للتعبد في المسجد النبوي. وكان هؤلاء العلماء يعقدون حلقات التدريس في المسج د النبوي يحضرها طلاب العلم، وقد يتحول هؤلاء العلماء إلى مستمعين في حلقات علماء آخرين، استزادة في العلم. وكان التدريس فيه مفتوحا لمن يشاء ودون منهج محدد، فأي عالم يستطيع أن يجلس إلى عمود ويدرس العلم الذي يتقنه، ولم يكن العلماء يتقاضون أجرا أول الأمر. وفي أواخر القرن الثالث عشر الهجري قامت الحكومة العثمانية في عهد السلطان سليمان القانوني بتخصيص مرتبات لبعض الشيوخ الذين يدرسون في الحرم، ثم وضعت لهم مخصصات ثابتة في ميزانية الخزانة النبوية، وقد بلغ عددهم ثمانية عشر مدرسا تتراوح مرتباتهم بين (150) قرشا و (500) قرش سنويا على نحو ما يصرف لمدرسي المسجد الحرام. وكان عدد المدرسين المعينين من الدولة قليلا بالقياس إلى عدد مدرسي المسجد الحرام الذين يبلغ عددهم أربعة وأربعين مدرسا، وأنهم كانوا يدرسون المذاهب الثلاثة فقط الحنفي والشافعي والمالكي، غير أن التدريس في المسجد النبوي لم يقتصر قط على الذين يتقاضون رواتب من الدولة، بل كان فيه عدد أكبر من المدرسين المتبرعين الذين يعتمدون على ثرواتهم الخاصة أو لهم عمل أو متجر أو بستان يؤمن لهم حاجاتهم، وكان بعضهم يتلقى هبات من الأغنياء ومن الزائرين والأموال المرسلة إلى المسجد، وبخاصة أغنياء الهند.
وبجوار حلقات التدريس هذه كان يوجد أيضا الكتاتيب وهي مراكز تعليمية عريقة ترجع إلى عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقد قامت هذه الكتاتيب بمهمة تعليم أولاد المسلمين منذ نعومة أظافرهم القرآن والحديث، فإذا تخرج منها الصبي تحول إلى حلقات الشيوخ المختلفة. وكانت الكتاتيب تنتشر في المدينة، بعضها في بيوت معلميها، وقليل في الأربطة. ولكن عندما أعيد بناء المسجد النبوي في عهد السلطان عبد المجيد خصصت للكتاتيب ست غرف في الجهة الشمالية وبني فوقها طابق آخر لمكتبة المسجد، وعين لكل كتاب معلم وعريف، يأخذان رواتبهما من الخزانة النبوية. وكان الشيخ يتقاضى مائتي قرش والعريف مائة قرش.
إضافة إلى تلك الكتاتيب وجدت كتاتيب أخرى داخل الحرم النبوي وصل عددها اثني عشر كتابا أي ضعف عدد الكتاتيب الموجودة في الغرف. وخارج المسجد النبوي قامت كتاتيب أخرى موزعة في أحياء مختلفة ولم يكن معلموها يتقاضون رواتب من الخزينة النبوية، بل يتقاضون أجرهم من أولياء الطلاب. ولقد بلغت آخر العهد العثماني عشرين قرشا للشيخ وعشرة قروش للعريف كل شهر، فضلا عن مبالغ أخرى غير محددة يدفعها عند تسجيله في الكتاب وعند حفظ الصبي الجزء الأول من القرآن. وفي شهر رمضان والعيدين يدفع مبلغا جيدا وهدايا قيمة من ضمنها جبة وعمامة للشيخ عندما يختم الطالب القرآن. ويقيم ولي أمر الطالب مأدبة يدعو إليها الشيخ والعريف والأصدقاء كما يوزع الحلوى على طلاب الكتاب جميعا. ومازالت الدروس قائمة بالمسجد النبوي يقوم بها كبار المشايخ حيث يقرءون كتبا محددة في الفقه، والتفسير.

إقرأ المزيد

تفسير سورة ” التوبة “



“ سورة التوبة – مدنية – عدد آيتها 129″

بسم الله الرحمن الرحيم

بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (1)

هذه براءة من الله ورسوله, وإعلان بالتخلي عن العهود التي كانت بين المسلمين والمشركين.

فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2)

فسيروا -أيها المشركون- في الأرض مدَّة أربعة أشهر, تذهبون حيث شئتم آمنين من المؤمنين, واعلموا أنكم لن تُفْلِتوا من العقوبة, وأن الله مذل الكافرين ومورثهم العار في الدنيا, والنار في الآخرة. وهذه الآية لذوي العهود المطلقة غير المؤقتة, أو من له عهد دون أربعة أشهر, فيكمَّل له أربعة أشهر، أو مَن كان له عهد فنقضه.

وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3)

وإعلام من الله ورسوله وإنذار إلى الناس يوم النحر أن الله بريء من المشركين, ورسوله بريء منهم كذلك. فإن رجعتم -أيها المشركون- إلى الحق وتركتم شرككم فهو خير لكم, وإن أعرضتم عن قَبول الحق وأبيتم الدخول في دين الله فاعلموا أنكم لن تُفْلِتوا من عذاب الله. وأنذر -أيها الرسول- هؤلاء المعرضين عن الإسلام عذاب الله الموجع.

إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)

ويُستثنى من الحكم السابق المشركون الذين دخلوا معكم في عهد محدد بمدة, ولم يخونوا العهد, ولم يعاونوا عليكم أحدا من الأعداء, فأكملوا لهم عهدهم إلى نهايته المحدودة. إن الله يحب المتقين الذين أدَّوا ما أمروا به, واتقوا الشرك والخيانة, وغير ذلك من المعاصي.

فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)

فإذا انقضت الأشهر الأربعة التي أمَّنتم فيها المشركين, فأعلنوا الحرب على أعداء الله حيث كانوا, واقصدوهم بالحصار في معاقلهم, وترصدوا لهم في طرقهم, فإن رجعوا عن كفرهم ودخلوا الإسلام والتزموا شرائعه من إقام الصلاة وإخراج الزكاة, فاتركوهم, فقد أصبحوا إخوانكم في الإسلام, إن الله غفور لمن تاب وأناب, رحيم بهم.

وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6)

وإذا طلب أحد من المشركين الذين استبيحت دماؤهم وأموالهم الدخول في جوارك -أيها الرسول- ورغب في الأمان, فأجبه إلى طلبه حتى يسمع القرآن الكريم ويطَّلع على هدايته, ثم أَعِدْه من حيث أتى آمنًا; وذلك لإقامة الحجة عليه; ذلك بسبب أن الكفار قوم جاهلون بحقائق الإسلام, فربما اختاروه إذا زال الجهل عنهم.

كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7)

لا ينبغي أن يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله, إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام في صلح (الحديبية) فما أقاموا على الوفاء بعهدكم فأقيموا لهم على مثل ذلك. إن الله يحب المتقين الموفِّين بعهودهم.

كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8)

إن شأن المشركين أن يلتزموا بالعهود ما دامت الغلبة لغيرهم, أما إذا شعروا بالقوة على المؤمنين فإنهم لا يراعون القرابة ولا العهد, فلا يغرنكم منهم ما يعاملونكم به وقت الخوف منكم, فإنهم يقولون لكم كلامًا بألسنتهم; لترضوا عنهم, ولكن قلوبهم تأبى ذلك, وأكثرهم متمردون على الإسلام ناقضون للعهد.

اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9)

استبدلوا بآيات الله عرض الدنيا التافه, فأعرضوا عن الحق ومنعوا الراغبين في الإسلام عن الدخول فيه, لقد قَبُح فعلهم, وساء صنيعهم.

لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ (10)

إن هؤلاء المشركين حرب على الإيمان وأهله, فلا يقيمون وزنًا لقرابة المؤمن ولا لعهده, وشأنهم العدوان والظلم.

فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)

فإن أقلعوا عن عبادة غير الله, ونطقوا بكلمة التوحيد, والتزموا شرائع الإسلام من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة, فإنهم إخوانكم في الإسلام. ونبين الآيات, ونوضحها لقوم ينتفعون بها.

وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ (12)

وإنْ نَقَضَ هؤلاء المشركون العهود التي أبرمتموها معهم, وأظهروا الطعن في دين الإسلام, فقاتلوهم فإنهم رؤساء الضلال, لا عهد لهم ولا ذمة, حتى ينتهوا عن كفرهم وعداوتهم للإسلام.

أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (13)

لا تترددوا في قتال هؤلاء القوم الذين نقضوا عهودهم, وعملوا على إخراج الرسول من (مكة), وهم الذين بدؤوا بإيذائكم أول الأمر, أتخافونهم أو تخافون ملاقاتهم في الحرب؟ فالله أحق أن تخافوه إن كنتم مؤمنين حقًا.



قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)

يا معشر المؤمنين قاتلوا أعداء الله يعذبهم عز وجل بأيديكم, ويذلهم بالهزيمة والخزي, وينصركم عليهم, ويُعْلِ كلمته, ويشف بهزيمتهم صدوركم التي طالما لحق بها الحزن والغم من كيد هؤلاء المشركين, ويُذْهِب عن قلوب المؤمنين الغيظ. ومن تاب من هؤلاء المعاندين فإن الله يتوب على من يشاء. والله عليم بصدق توبة التائب, حكيم في تدبيره وصنعه ووَضْع تشريعاته لعباده.

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16)

مِن سنة الله الابتلاء, فلا تظنوا يا معشر المؤمنين أن يترككم الله دون اختبار; ليعلم الله علمًا ظاهرًا للخلق الذين أخلصوا في جهادهم, ولم يتخذوا غير الله ورسوله والمؤمنين بطانة وأولياء. والله خبير بجميع أعمالكم ومجازيكم بها.

مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17)

ليس من شأن المشركين إعمار بيوت الله, وهم يعلنون كفرهم بالله ويجعلون له شركاء. هؤلاء المشركون بطلت أعمالهم يوم القيامة, ومصيرهم الخلود في النار.

إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ (18)

لا يعتني ببيوت الله ويعمرها إلا الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر, ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة, ولا يخافون في الله لومة لائم, هؤلاء العُمَّار هم المهتدون إلى الحق.

أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19)

أجعلتم -أيها القوم- ما تقومون به من سقي الحجيج وعِمارة المسجد الحرام كإيمان من آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله؟ لا تتساوى حال المؤمنين وحال الكافرين عند الله, لأن الله لا يقبل عملا بغير الإيمان. والله سبحانه لا يوفق لأعمال الخير القوم الظالمين لأنفسهم بالكفر.

الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ (20)

الذين آمنوا بالله وتركوا دار الكفر قاصدين دار الإسلام, وبذلوا أموالهم وأنفسهم في الجهاد لإعلاء كلمة الله, هؤلاء أعظم درجه عند الله, وأولئك هم الفائزون برضوانه.



يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21)

إن هؤلاء المؤمنين المهاجرين لهم البشرى من ربهم بالرحمة الواسعة والرضوان الذي لا سخط بعده, ومصيرهم إلى جنات الخلد والنعيم الدائم.

خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)

ماكثين في تلك الجنان لا نهاية لإقامتهم وتنعمهم, وذلك ثواب ما قدَّموه من الطاعات والعمل الصالح في حياتهم الدنيا. إن الله تعالى عنده أجر عظيم لمن آمن وعمل صالحا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (23)

يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه لا تتخذوا أقرباءكم -من الآباء والإخوان وغيرهم- أولياء, تفشون إليهم أسرار المسلمين, وتستشيرونهم في أموركم, ما داموا على الكفر معادين للإسلام. ومن يتخذهم أولياء ويُلْقِ إليهم المودة فقد عصى الله تعالى, وظلم نفسه ظلمًا عظيمًا.

قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)

قل -يا أيها الرسول- للمؤمنين: إن فَضَّلتم الآباء والأبناء والإخوان والزوجات والقرابات والأموال التي جمعتموها والتجارة التي تخافون عدم رواجها والبيوت الفارهة التي أقمتم فيها, إن فَضَّلتم ذلك على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله فانتظروا عقاب الله ونكاله بكم. والله لا يوفق الخارجين عن طاعته.

لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)

لقد أنزل الله نَصْرَه عليكم في مواقع كثيرة عندما أخذتم بالأسباب وتوكلتم على الله. ويوم غزوة (حنين) قلتم: لن نُغْلَبَ اليوم من قلة, فغرَّتكم الكثرة فلم تنفعكم, وظهر عليكم العدو فلم تجدوا ملجأً في الأرض الواسعة ففررتم منهزمين.

ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26)

ثم أنزل الله الطمأنينة على رسوله وعلى المؤمنين فثبتوا, وأمدَّهم بجنود من الملائكة لم يروها, فنصرهم على عدوهم, وعذَّب الذين كفروا. وتلك عقوبة الله للصادِّين عن دينه, المكذِّبين لرسوله.



ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27)

ومن رجع عن كفره بعد ذلك ودخل الإسلام فإن الله يقبل توبة مَن يشاء منهم, فيغفر ذنبه. والله غفور رحيم.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)

يا معشر المؤمنين إنما المشركون رِجْس وخَبَث فلا تمكنوهم من الاقتراب من الحرم بعد هذا العام التاسع من الهجرة, وإن خفتم فقرًا لانقطاع غارتهم عنكم, فإن الله سيعوضكم عنها, ويكفيكم من فضله إن شاء, إن الله عليم بحالكم, حكيم في تدبير شؤونكم.

قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)

أيها المسلمون قاتلوا الكفار الذين لا يؤمنون بالله, ولا يؤمنون بالبعث والجزاء, ولا يجتنبون ما نهى الله عنه ورسوله, ولا يلتزمون أحكام شريعة الإسلام من اليهود والنصارى, حتى يدفعوا الجزية التي تفرضونها عليهم بأيديهم خاضعين أذلاء.

وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)

لقد أشرك اليهود بالله عندما زعموا أن عزيرًا ابن الله. وأشرك النصارى بالله عندما ادَّعوا أن المسيح ابن الله. وهذا القول اختلقوه من عند أنفسهم, وهم بذلك لا يشابهون قول المشركين من قبلهم. قَاتَلَ الله المشركين جميعًا كيف يعدلون عن الحق إلى الباطل؟

اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)

اتخذ اليهودُ والنصارى العلماءَ والعُبَّادَ أربابًا يُشَرِّعون لهم الأحكام, فيلتزمون بها ويتركون شرائع الله, واتخذوا المسيح عيسى ابن مريم إلهًا فعبدوه, وقد أمرهم الله بعبادته وحده دون غيره، فهو الإله الحق لا إله إلا هو. تنزَّه وتقدَّس عما يفتريه أهل الشرك والضلال.

يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)

يريد الكفار بتكذيبهم أن يبطلوا دين الإسلام, ويبطلوا حجج الله وبراهينه على توحيده الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم, ويأبى الله إلا أن يتم دينه ويظهره, ويعلي كلمته, ولو كره ذلك الجاحدون.

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)

هو الذي أرسل رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالقرآن ودين الإسلام; ليعليه على الأديان كلها, ولو كره المشركون دين الحق -الإسلام- وظهوره على الأديان.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنْ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)

يا أيها الذين صَدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه, إن كثيرًا من علماء أهل الكتاب وعُبَّادهم ليأخذون أموال الناس بغير حق كالرشوة وغيرها, ويمنعون الناس من الدخول في الإسلام, ويصدون عن سبيل الله. والذين يمسكون الأموال, ولا يؤدون زكاتها, ولا يُخْرجون منها الحقوق الواجبة, فبشِّرهم بعذاب موجع.

يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35)

يوم القيامة توضع قطع الذهب والفضة في النار, فإذا اشتدت حرارتها أُحرقت بها جباه أصحابها وجنوبهم وظهورهم. وقيل لهم توبيخًا: هذا مالكم الذي أمسكتموه ومنعتم منه حقوق الله, فذوقوا العذاب الموجع; بسبب كنزكم وإمساككم.

إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)

إنّ عدة الشهور في حكم الله وفيما كُتب في اللوح المحفوظ اثنا عشر شهرًا, يوم خلق السموات والأرض, منها أربعة حُرُم; حرَّم الله فيهنَّ القتال (هي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب) ذلك هو الدين المستقيم, فلا تظلموا فيهن أنفسكم; لزيادة تحريمها, وكون الظلم فيها أشد منه في غيرها, لا أنَّ الظلم في غيرها جائز. وقاتلوا المشركين جميعًا كما يقاتلونكم جميعًا, واعلموا أن الله مع أهل التقوى بتأييده ونصره.

إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)

إن الذي كانت تفعله العرب في الجاهلية من تحريم أربعة أشهر من السنة عددًا لا تحديدًا بأسماء الأشهر التي حرَّمها الله, فيؤخرون بعضها أو يقدِّمونه ويجعلون مكانه من أشهر الحل ما أرادوا حسب حاجتهم للقتال, إن ذلك زيادة في الكفر, يضل الشيطان به الذين كفروا, يحلون الذي أخروا تحريمه من الأشهر الأربعة عامًا, ويحرمونه عاما; ليوافقوا عدد الشهور الأربعة, فيحلوا ما حرَّم الله منها. زَيَّن لهم الشيطان الأعمال السيئة. والله لا يوفق القوم الكافرين إلى الحق والصواب.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38)

يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، ما بالكم إذا قيل لكم: اخرجوا إلى الجهاد في سبيل الله لقتال أعدائكم تكاسلتم ولزمتم مساكنكم؟ هل آثرتم حظوظكم الدنيوية على نعيم الآخرة؟ فما تستمتعون به في الدنيا قليل زائل, أما نعيم الآخرة الذي أعده الله للمؤمنين المجاهدين فكثير دائم.

إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)

إن لا تنفروا أيها المؤمنون إلى قتال عدوكم ينزلِ الله عقوبته بكم, ويأت بقوم آخرين ينفرون إذ ا استُنْفروا, ويطيعون الله ورسوله, ولن تضروا الله شيئًا بتولِّيكم عن الجهاد, فهو الغني عنكم وأنتم الفقراء إليه. وما يريده الله يكون لا محالة. والله على كل شيء قدير من نصر دينه ونبيه دونكم.

إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)

يا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لا تنفروا معه أيها المؤمنون إذا استَنْفَركم, وإن لا تنصروه; فقد أيده الله ونصره يوم أخرجه الكفار من قريش من بلده (مكة), وهو ثاني اثنين (هو وأبو بكر الصديق رضي الله عنه) وألجؤوهما إلى نقب في جبل ثور “بمكة”، فمكثا فيه ثلاث ليال, إذ يقول لصاحبه (أبي بكر) لما رأى منه الخوف عليه: لا تحزن إن الله معنا بنصره وتأييده, فأنزل الله الطمأنينة في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأعانه بجنود لم يرها أحد من البشر وهم الملائكة, فأنجاه الله من عدوه وأذل الله أعداءه, وجعل كلمة الذين كفروا السفلى. وكلمةُ الله هي العليا,, ذلك بإعلاء شأن الإسلام. والله عزيز في ملكه, حكيم في تدبير شؤون عباده. وفي هذه الآية منقبة عظيمة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه.

انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41)

اخرجوا -أيها المؤمنون- للجهاد في سبيل الله شبابًا وشيوخًا في العسر واليسر, على أي حال كنتم, وأنفقوا أموالكم في سبيل الله, وقاتلوا بأيديكم لإعلاء كلمة الله, ذلك الخروج والبذل خير لكم في حالكم ومآلكم فافعلوا ذلك وانفروا واستجيبوا لله ورسوله.

لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمْ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوْ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42)

وبَّخ الله جلَّ جلاله جماعة من المنافقين استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في التخلف عن غزوة (تبوك) مبينًا أنه لو كان خروجهم إلى غنيمة قريبة سهلة المنال لاتبعوك, ولكن لما دعوا إلى قتال الروم في أطراف بلاد (الشام) في وقت الحر تخاذلوا, وتخلفوا, وسيعتذرون لتخلفهم عن الخروج حالفين بأنهم لا يستطيعون ذلك, يهلكون أنفسهم بالكذب والنفاق, والله يعلم إنهم لكاذبون فيما يبدون لك من الأعذار.

عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43)

عفا الله عنك -أيها النبي- عمَّا وقع منك مِن تَرْك الأولى والأكمل, وهو إذنك للمنافقين في القعود عن الجهاد, لأي سبب أَذِنْتَ لهؤلاء بالتخلف عن الغزوة, حتى يظهر لك الذين صدقوا في اعتذارهم وتعلم الكاذبين منهم في ذلك؟

لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44)

ليس من شأن المؤمنين بالله ورسوله واليوم الآخر أن يستأذنوك -أيها النبي- في التخلف عن الجهاد في سبيل الله بالنفس والمال, وإنما هذا من شأن المنافقين. والله عليم بمن خافه فاتقاه بأداء فرائضه واجتناب نواهيه.

إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)

إنما يطلب الإذن للتخلف عن الجهاد الذين لا يصدِّقون بالله ولا باليوم الآخر, ولا يعملون صالحًا, وشكَّتْ قلوبهم في صحة ما جئت به -أيها النبي- من الإسلام وشرائعه, فهم في شكهم يتحيَّرون.

وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46)

ولو أراد المنافقون الخروج معك -أيها النبي- إلى الجهاد لتأهَّبوا له بالزاد والراحلة, ولكن الله كره خروجهم فثَقُلَ عليهم الخروج قضاء وقدرًا, وإن كان أمرهم به شرعا, وقيل لهم: تخلفوا مع القاعدين من المرضى والضعفاء والنساء والصبيان.

لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)

لو خرج المنافقون معكم -أيها المؤمنون- للجهاد لنشروا الاضطراب في الصفوف والشر والفساد, ولأسرعوا السير بينكم بالنميمة والبغضاء, يبغون فتنتكم بتثبيطكم عن الجهاد في سبيل الله, وفيكم -أيها المؤمنون- عيون لهم يسمعون أخباركم, وينقلونها إليهم. والله عليم بهؤلاء المنافقين الظالمين, وسيجازيهم على ذلك.

لَقَدْ ابْتَغَوْا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48)

لقد ابتغى المنافقون فتنة المؤمنين عن دينهم وصدهم عن سبيل الله من قبل غزوة (تبوك), وكشف أمرهم, وصرَّفوا لك -أيها النبي- الأمور في إبطال ما جئت به, كما فعلوا يوم (أحد) ويوم (الخندق), ودبَّروا لك الكيد حتى جاء النصر من عند الله, وأعز جنده ونصر دينه, وهم كارهون له.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49)

ومِن هؤلاء المنافقين من يطلب الإذن للقعود عن الجهاد ويقول: لا توقعْني في الابتلاء بما يعرض لي في حالة الخروج من فتنة النساء. لقد سقط هؤلاء المنافقون في فتنة النفاق الكبرى. فإن جهنم لمحيطة بالكافرين بالله واليوم الآخر, فلا يُفْلِت منهم أحد.

إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا وَهُمْ فَرِحُونَ (50)

إن يصبك -أيها النبي- سرور وغنيمة يحزن المنافقون, وإن يلحق بك مكروه من هزيمة أو شدة يقولوا: نحن أصحاب رأي وتدبير قد احتطنا لأنفسنا بتخلفنا عن محمد, وينصرفوا وهم مسرورون بما صنعوا وبما أصابك من السوء.

قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (51)

قل -أيها النبي- لهؤلاء المتخاذلين زجرًا لهم وتوبيخًا: لن يصيبنا إلا ما قدَّره الله علينا وكتبه في اللوح المحفوظ, هو ناصرنا على أعدائنا, وعلى الله, وحده فليعتمد المؤمنون به.

قُلْ هَلْ تَتَربَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52)

قل لهم -أيها النبي-: هل تنتظرون بنا إلا شهادة أو ظفرًا بكم؟ ونحن ننتظر بكم أن يصيبكم الله بعقوبة مِن عنده عاجلة تهلككم أو بأيدينا فنقتلكم, فانتظروا إنا معكم منتظرون ما الله فاعل بكل فريق منا ومنكم.

قُلْ أَنفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ (53)

قل -أيها النبي- للمنافقين: أنفقوا أموالكم كيف شئتم, وعلى أي حال شئتم طائعين أو كارهين, لن يقبل الله منكم نفقاتكم; لأنكم قوم خارجون عن دين الله وطاعته.

وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ (54)

وسبب عدم قَبول نفقاتهم أنهم أضمروا الكفر بالله عز وجل وتكذيب رسوله محمد صلى الله عليه وسلم, ولا يأتون الصلاة إلا وهم متثاقلون, ولا ينفقون الأموال إلا وهم كارهون, فهم لا يرجون ثواب هذه الفرائض, ولا يخشون على تركها عقابًا بسبب كفرهم.

فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)

فلا تعجبك -أيها النبي- أموال هؤلاء المنافقين ولا أولادهم, إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الحياة الدنيا بالتعب في تحصيلها وبالمصائب التي تقع فيها, حيث لا يحتسبون ذلك عند الله, وتخرج أنفسهم, فيموتوا على كفرهم بالله ورسوله.

وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56)

ويحلف هؤلاء المنافقون بالله لكم أيها المؤمنون كذبًا وباطلا إنهم لمنكم, وليسوا منكم, ولكنهم قوم يخافون فيحلفون تَقِيَّة لكم.

لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)

لو يجد هؤلاء المنافقون مأمنًا وحصنًا يحفظهم, أو كهفًا في جبل يؤويهم, أو نفقًا في الأرض ينجيهم منكم, لانصرفوا إليه وهم يسرعون.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58)

ومن المنافقين مَن يعيبك في قسمة الصدقات, فإن نالهم نصيب منها رضوا وسكتوا, وإن لم يصبهم حظ منها سخطوا عليك وعابوك.

وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59)

ولو أن هؤلاء الذين يعيبونك في قسمة الصدقات رضوا بما قسم الله ورسوله لهم, وقالوا: حسبنا الله, سيؤتينا الله من فضله, ويعطينا رسوله مما آتاه الله, إنا نرغب أن يوسع الله علينا, فيغنينا عن الصدقة وعن صدقات الناس. لو فعلوا ذلك لكان خيرًا لهم وأجدى.

إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)

إنما تعطى الزكوات الواجبة للمحتاجين الذين لا يملكون شيئًا, وللمساكين الذين لا يملكون كفايتهم, وللسعاة الذين يجمعونها, وللذين تؤلِّفون قلوبهم بها ممن يُرْجَى إسلامه أو قوة إيمانه أو نفعه للمسلمين, أو تدفعون بها شرَّ أحد عن المسلمين, وتعطى في عتق رقاب الأرقاء والمكاتبين, وتعطى للغارمين لإصلاح ذات البين, ولمن أثقلَتْهم الديون في غير فساد ولا تبذير فأعسروا, وللغزاة في سبيل الله, وللمسافر الذي انقطعت به النفقة, هذه القسمة فريضة فرضها الله وقدَّرها. والله عليم بمصالح عباده, حكيم في تدبيره وشرعه.

وَمِنْهُمْ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61)

ومن المنافقين قوم يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكلام, ويقولون: إنه يستمع لكل ما يقال له فيصدقه, قل لهم -أيها النبي-: إن محمدًا هو أذن تستمع لكل خير, يؤمن بالله ويصدق المؤمنين فيما يخبرونه, وهو رحمة لمن اتبعه واهتدى بهداه. والذين يؤذون رسول الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بأي نوع من أنواع الإيذاء, لهم عذاب مؤلم موجع.

يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62)

يحلف المنافقون الأيمان الكاذبة, ويقدمون الأعذار الملفقة; ليُرضُوا المؤمنين, والله ورسوله أحق وأولى أن يُرضُوهما بالإيمان بهما وطاعتهما, إن كانوا مؤمنين حقًا.

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)

ألم يعلم هؤلاء المنافقون أن مصير الذين يحاربون الله ورسوله نارُ جهنم لهم العذاب الدائم فيها؟ ذلك المصبر هو الهوان والذل العظيم, ومن المحاربة أذِيَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبه والقدح فيه, عياذًا بالله من ذلك.

يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64)

يخاف المنافقون أن تنزل في شأنهم سورة تخبرهم بما يضمرونه في قلوبهم من الكفر, قل لهم -أيها النبي-: استمروا على ما أنتم عليه من الاستهزاء والسخرية, إن الله مخرج حقيقة ما تحذرون.

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65)

ولئن سألتهم -أيها النبي- عما قالوا من القَدْح في حقك وحق أصحابك لَيَقولُنَّ: إنما كنا نتحدث بكلام لا قصد لنا به, قل لهم -أيها النبي-: أبالله عز وجل وآياته ورسوله كنتم تستهزئون؟

لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)

لا تعتذروا -معشر المنافقين- فلا جدوى مِن اعتذاركم, قد كفرتم بهذا المقال الذي استهزأتم به, إن نعف عن جماعة منكم طلبت العفو وأخلصت في توبتها, نعذب جماعة أخرى بسبب إجرامهم بهذه المقالة الفاجرة الخاطئة.

الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (67)

المنافقون والمنافقات صنف واحد في إعلانهم الإيمان واستبطانهم الكفر, يأمرون بالكفر بالله ومعصية رسوله وينهون عن الإيمان والطاعة, ويمسكون أيديهم عن النفقة في سبيل الله, نسوا الله فلا يذكرونه, فنسيهم من رحمته, فلم يوفقهم إلى خير. إن المنافقين هم الخارجون عن الإيمان بالله ورسوله.

وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)

وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار بأن مصيرهم إلى نار جهنم خالدين فيها أبدًا, هي كافيتهم; عقابًا على كفرهم بالله, وطردهم الله مِن رحمته, ولهم عذاب دائم.

كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ (69)

إن أفعالكم -معشر المنافقين- من الاستهزاء والكفر كأفعال الأمم السابقة التي كانت على جانب من القوة والمال والأولاد أشد منكم, فاطْمَأنوا إلى الحياة الدنيا, وتَمتَّعوا بما فيها من الحظوظ والملذات, فاستمعتم أيها المنافقون بنصيبكم من الشهوات الفانية كاستمتاع الذين من قبلكم بحظوظهم الفانية, وخضتم بالكذب على الله كخوض تلك الأمم قبلكم, أولئك الموصوفون بهذه الأخلاق هم الذين ذهبت حسناتهم في الدنيا والآخرة, وأولئك هم الخاسرون ببيعهم نعيم الآخرة بحظوظهم من الدنيا.

أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)

ألم يأت هؤلاء المنافقين خبرُ الذين مضوا مِن قوم نوح وقبيلة عاد وقبيلة ثمود وقوم إبراهيم وأصحاب (مدين) وقوم لوط عندما جاءهم المرسلون بالوحي وبآيات الله فكذَّبوهم؟ فأنزل الله بهؤلاء جميعًا عذابه; انتقامًا منهم لسوء عملهم, فما كان الله ليظلمهم, ولكن كانوا هم الظالمين لأنفسهم بالتكذيب والمخالفة.

وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)

والمؤمنون والمؤمنات بالله ورسوله بعضهم أنصار بعض, يأمرون الناس بالإيمان والعمل الصالح, وينهونهم عن الكفر والمعاصي, ويؤدون الصلاة, ويعطون الزكاة, ويطيعون الله ورسوله, وينتهون عما نُهوا عنه, أولئك سيرحمهم الله فينقذهم من عذابه ويدخلهم جنته. إن الله عزيز في ملكه, حكيم في تشريعاته وأحكامه.

وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)

وعد الله المؤمنين والمؤمنات بالله ورسوله جنات تجري من تحتها الأنهار ماكثين فيها أبدًا, لا يزول عنهم نعيمها, ومساكن حسنة البناء طيبة القرار في جنات إقامة, ورضوان من الله أكبر وأعظم مما هم فيه من النعيم. ذلك الوعد بثواب الآخرة هو الفلاح العظيم.



يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)


يا أيها النبي جاهد الكفار بالسيف والمنافقين باللسان والحجة, واشدد على كلا الفريقين, ومقرُّهم جهنم, وبئس المصير مصيرهم.

يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُنْ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74)

يحلف المنافقون بالله أنهم ما قالوا شيئًا يسيء إلى الرسول وإلى المسلمين, إنهم لكاذبون; فلقد قالوا كلمة الكفر وارتدوا بها عن الإسلام وحاولوا الإضرار برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم, فلم يمكنهم الله من ذلك, وما وجد المنافقون شيئًا يعيبونه, وينتقدونه, إلا أن الله -تعالى- تفضل عليهم, فأغناهم بما فتح على نبيه صلى الله عليه وسلم من الخير والبركة, فإن يرجع هؤلاء الكفار إلى الإيمان والتوبة فهو خير لهم, وإن يعرضوا, أو يستمروا على حالهم, يعذبهم الله العذاب الموجع في الدنيا على أيدي المؤمنين, وفي الآخرة بنار جهنم, وليس لهم منقذ ينقذهم ولا ناصر يدفع عنهم سوء العذاب.

وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ (75)

ومن فقراء المنافقين مَن يقطع العهد على نفسه: لئن أعطاه الله المال ليصدَّقنَّ منه, وليعمَلنَّ ما يعمل الصالحون في أموالهم, وليسيرَنَّ في طريق الصلاح.

فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76)

فلما أعطاهم الله من فضله بخلوا بإعطاء الصدقة وبإنفاق المال في الخير, وتولَّوا وهم معرضون عن الإسلام.

فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77)

فكان جزاء صنيعهم وعاقبتهم أَنْ زادهم نفاقًا على نفاقهم, لا يستطيعون التخلص منه إلى يوم الحساب; وذلك بسبب إخلافهم الوعد الذي قطعوه على أنفسهم, وبسبب نفاقهم وكذبهم.

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (78)

ألم يعلم هؤلاء المنافقون أن الله يعلم ما يخفونه في أنفسهم وما يتحدثون به في مجالسهم من الكيد والمكر, وأن الله علام الغيوب؟ فسيجازيهم على أعمالهم التي أحصاها عليهم.

الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79)

ومع بخل المنافغين لا يَسْلَم المتصدقون من أذاهم; فإذا تصدق الأغنياء بالمال الكثير عابوهم واتهموهم بالرياء, وإذا تصدق الفقراء بما في طاقتهم استهزؤوا بهم, وقالوا سخرية منهم: ماذا تجدي صدقتهم هذه؟ سخر الله من هؤلاء المنافقين, ولهم عذاب مؤلم موجع.



اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)

استغفر -أيها الرسول- للمنافقين أو لا تستغفر لهم, فلن يغفر الله لهم, مهما كثر استغفارك لهم وتكرر; لأنهم كفروا بالله ورسوله. والله سبحانه وتعالى لا يوفق للهدى الخارجين عن طاعته.

فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81)

فرح المخلفون الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقعودهم في (المدينة) مخالفين لرسول الله صلى الله عليه وسلم, وكرهوا أن يجاهدوا معه بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله, وقال بعضهم لبعض: لا تنفروا في الحرِّ, وكانت غزوة (تبوك) في وقت شدة الحرِّ. قل لهم -أيها الرسول-: نار جهنم أشد حرًا, لو كانوا يعلمون ذلك.

فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)

فليضحك هؤلاء المنافقون الذين تخلفوا عن رسول الله في غزوة (تبوك) قليلا في حياتهم الدنيا الفانية, وليبكوا كثيرًا في نار جهنم; جزاءً بما كانوا يكسبون في الدنيا من النفاق والكفر.

فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83)

فإنْ رَدَّك الله -أيها الرسول- مِن غزوتك إلى جماعة من المنافقين الثابتين على النفاق, فاستأذنوك للخروج معك إلى غزوة أخرى بعد غزوة (تبوك) فقل لهم: لن تخرجوا معي أبدًا في غزوة من الغزوات, ولن تقاتلوا معي عدوًا من الأعداء; إنكم رضيتم بالقعود أول مرة, فاقعدوا مع الذين تخلفوا عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84)

ولا تصلِّ -أيها الرسول- أبدًا على أحد مات من المنافقين, ولا تقم على قبره لتدعو له; لأنهم كفروا بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم وماتوا وهم فاسقون. وهذا حكم عام في كل من عُلِمَ نفاقه.

وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85)

ولا تعجبك -أيها الرسول- أموال هؤلاء المنافقين وأولادهم, إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا بمكابدتهم الشدائد في شأنها, وبموتهم على كفرهم بالله ورسوله.

وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86)

وإذا أنزلت سورة على محمد صلى الله عليه ولم تأمر بالإيمان بالله والإخلاص له والجهاد مع رسول الله, طلب الإذن منك -أيها الرسول- أولو اليسار من المنافقين, وقالوا: اتركنا مع القاعدين العاجزين عن الخروج.

رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87)

رضي هؤلاء المنافقون لأنفسهم بالعار, وهو أن يقعدوا في البيوت مع النساء والصبيان وأصحاب الأعذار, وختم الله على قلوبهم; بسبب نفاقهم وتخلفهم عن الجهاد والخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله, فهم لا يفقهون ما فيه صلاحهم ورشادهم.

لَكِنْ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (88)

إنْ تخلَّف هؤلاء المنافقون عن الغزو, فقد جاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه بأموالهم وأنفسهم, وأولئك لهم النصر والغنيمة في الدنيا, والجنة والكرامة في الآخرة, وأولئك هم الفائزون.

أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89)

أعدَّ الله لهم يوم القيامة جنات تجري مِن تحت أشجارها الأنهار ماكثين فيها أبدًا. وذلك هو الفلاح العظيم.

وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنْ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90)

وجاء جماعة من أحياء العرب حول (المدينة) يعتذرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, ويبينون له ما هم فيه من الضعف وعدم القدرة على الخروج للغزو, وقعد قوم بغير عذر أظهروه جرأة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. سيصيب الذين كفروا من هؤلاء عذاب أليم في الدنيا بالقتل وغيره, وفي الآخرة بالنار.

لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)

ليس على أهل الأعذار مِن الضعفاء والمرضى والفقراء الذين لا يملكون من المال ما يتجهزون به للخروج إثم في القعود إذا أخلصوا لله ورسوله, وعملوا بشرعه, ما على مَن أحسن ممن منعه العذر عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو ناصح لله ولرسوله من طريق يعاقب مِن قِبَلِه ويؤاخذ عليه. والله غفور للمحسنين, رحيم بهم.

وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ (92)

وكذلك لا إثم على الذين إذا ما جاؤوك يطلبون أن تعينهم بحملهم إلى الجهاد قلت لهم: لا أجد ما أحملكم عليه من الدوابِّ, فانصرفوا عنك, وقد فاضت أعينهم دَمعًا أسفًا على ما فاتهم من شرف الجهاد وثوابه; لأنهم لم يجدوا ما ينفقون, وما يحملهم لو خرجوا للجهاد في سبيل الله.

إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (93)

إنما الإثم واللوم على الأغنياء الذين جاءوك -أيها الرسول- يطلبون الإذن بالتخلف, وهم المنافقون الأغنياء اختاروا لأنفسهم القعود مع النساء وأهل الأعذار, وختم الله على قلوبهم بالنفاق, فلا يدخلها إيمان, فهم لا يعلمون سوء عاقبتهم بتخلفهم عنك وتركهم الجهاد معك.

يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (94)

يعتذر إليكم -أيها المؤمنون- هؤلاء المتخلفون عن جهاد المشركين بالأكاذيب عندما تعودون مِن جهادكم من غزوة (تبوك), قل لهم -أيها الرسول-: لا تعتذروا لن نصدقكم فيما تقولون, قد نبأنا الله من أمركم ما حقق لدينا كذبكم, وسيرى الله عملكم ورسوله, إن كنتم تتوبون من نفاقكم, أو تقيمون عليه, وسيُظهر للناس أعمالكم في الدنيا, ثم ترجعون بعد مماتكم إلى الذي لا تخفى عليه بواطن أموركم وظواهرها, فيخبركم بأعمالكم كلها, ويجازيكم عليها.

سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95)

سيحلف لكم المنافقون بالله -كاذبين معتذرين- إذا رجعتم إليهم من الغزو; لتتركوهم دون مساءلة, فاجتنبوهم وأعرضوا عنهم احتقارًا لهم, إنهم خبثاء البواطن, ومكانهم الذي يأوون إليه في الآخرة نار جهنم; جزاء بما كانوا يكسبون من الآثام والخطايا.

يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنْ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96)

يحلف لكم -أيها المؤمنون- هؤلاء المنافقون كذبًا; لتَرضَوا عنهم, فإن رضيتم عنهم -لأنكم لا تعلمون كذبهم- فإن الله لا يرضى عن هؤلاء وغيرهم ممن استمروا على الفسوق والخروج عن طاعة الله ورسوله.

الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97)

الأعراب سكان البادية أشد كفرًا ونفاقًا من أهل الحاضرة, وذلك لجفائهم وقسوة قلوبهم وبُعدهم عن العلم والعلماء, ومجالس الوعظ والذكر, فهم لذلك أحق بأن لا يعلموا حدود الدين, وما أنزل الله من الشرائع والأحكام. والله عليم بحال هؤلاء جميعًا, حكيم في تدبيره لأمور عباده.

وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمْ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98)

ومن الأعراب مَن يحتسب ما ينفق في سبيل الله غرامة وخسارة لا يرجو له ثوابًا, ولا يدفع عن نفسه عقابًا, وينتظر بكم الحوادث والآفات, ولكن السوء دائر عليهم لا بالمسلمين. والله سميع لما يقولون عليم بنياتهم الفاسدة.

وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمْ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99)

ومن الأعراب مَن يؤمن بالله ويقرُّ بوحدانيته وبالبعث بعد الموت, والثواب والعقاب, ويحتسب ما ينفق من نفقة في جهاد المشركين قاصدًا بها رضا الله ومحبته, ويجعلها وسيلة إلى دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم له, ألا إن هذه الأعمال تقربهم إلى الله تعالى, سيدخلهم الله في جنته. إن الله غفور لما فعلوا من السيئات, رحيم بهم.

وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)

والذين سبقوا الناس أولا إلى الإيمان بالله ورسوله من المهاجرين الذين هجروا قومهم وعشيرتهم وانتقلوا إلى دار الإسلام, والأنصار الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه الكفار, والذين اتبعوهم بإحسان في الاعتقاد والأقوال والأعمال طلبًا لمرضاة الله سبحانه وتعالى, أولئك الذين رضي الله عنهم لطاعتهم الله ورسوله, ورضوا عنه لما أجزل لهم من الثواب على طاعتهم وإيمانهم, وأعدَّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا, ذلك هو الفلاح العظيم. وفي هذه الآية تزكية للصحابة -رضي الله عنهم- وتعديل لهم, وثناء عليهم; ولهذا فإن توقيرهم من أصول الإيمان.

وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)

ومن القوم الذين حول (المدينة) أعراب منافقون, ومن أهل (المدينة) منافقون أقاموا على النفاق, وازدادوا فيه طغيانًا, بحيث يخفى عليك -أيها الرسول- أمرهم, نحن نعلمهم, سنعذبهم مرتين: بالقتل والسبي والفضيحة في الدنيا, وبعذاب القبر بعد الموت, ثم يُرَدُّون يوم القيامة إلى عذاب عظيم في نار جهنم.

وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102)

وآخرون من أهل (المدينة) وممن حولها, اعترفوا بذنوبهم وندموا عليها وتابوا منها, خلطوا العمل الصالح -وهو التوبة والندم والاعتراف بالذنب وغير ذلك من الأعمال الصالحة- بآخر سيِّئ- وهو التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من الأعمال السيئة -عسى الله أن يوفقهم للتوبة ويقبلها منهم. إن الله غفور لعباده, رحيم بهم.

خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)

خذ -أيها النبي- من أموال هؤلاء التائبين الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا صدقة تطهرهم مِن دنس ذنوبهم, وترفعهم عن منازل المنافقين إلى منازل المخلصين, وادع لهم بالمغفرة لذنوبهم واستغفر لهم منها, إن دعاءك واستغفارك رحمة وطمأنينة لهم. والله سميع لكل دعاء وقول, عليم بأحوال العباد ونياتهم, وسيجازي كلَّ عامل بعمله.

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104)

ألم يعلم هؤلاء المتخلفون عن الجهاد وغيرهم أن الله وحده هو الذي يقبل توبة عباده, ويأخذ الصدقات ويثيب عليها, وأن الله هو التواب لعباده إذا رجعوا إلى طاعته, الرحيم بهم إذا أنابوا إلى رضاه؟

وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105)

وقل -أيها النبي- لهؤلاء المتخلِّفين عن الجهاد: اعملوا لله بما يرضيه من طاعته، وأداء فرائضه، واجتناب المعاصي, فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون, وسيتبين أمركم, وسترجعون يوم القيامة إلى مَن يعلم سركم وجهركم, فيخبركم بما كنتم تعملون. وفي هذا تهديد ووعيد لمن استمر على باطله وطغيانه.

وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106)

ومن هؤلاء المتخلفين عنكم -أيها المؤمنون- في غزوة (تبوك) آخرون مؤخرون; ليقضي الله فيهم ما هو قاض. وهؤلاء هم الذين ندموا على ما فعلوا, وهم: مُرارة بن الربيع, وكعب بن مالك, وهلال بن أُميَّة, إما يعذبهم الله, وإما يعفو عنهم. والله عليم بمن يستحق العقوبة أو العفو, حكيم في كل أقواله وأفعاله.

وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107)

والمنافقون الذين بنوا مسجدًا; مضارة للمؤمنين وكفرًا بالله وتفريقًا بين المؤمنين, ليصلي فيه بعضهم ويترك مسجد (قباء) الذي يصلي فيه المسلمون, فيختلف المسلمون ويتفرقوا بسبب ذلك, وانتظارا لمن حارب الله ورسوله من قبل -وهو أبو عامر الراهب الفاسق- ليكون مكانًا للكيد للمسلمين, وليحلفنَّ هؤلاء المنافقون أنهم ما أرادوا ببنائه إلا الخير والرفق بالمسلمين والتوسعة على الضعفاء العاجزين عن السير إلى مسجد (قباء), والله يشهد إنهم لكاذبون فيما يحلفون عليه. وقد هُدِم المسجد وأُحرِق.

لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)

لا تقم -أيها النبي- للصلاة في ذلك المسجد أبدًا; فإن المسجد الذي أُسِّسَ على التقوى من أول يوم -وهو مسجد (قباء)- أولى أن تقوم فيه للصلاة, ففي هذا المسجد رجال يحبون أن يتطهروا بالماء من النجاسات والأقذار, كما يتطهرون بالتورع والاستغفار من الذنوب والمعاصي. والله يحب المتطهرين. وإذا كان مسجد (قباء) قد أُسِّسَ على التقوى من أول يوم, فمسجد رسول الله, صلى الله عليه وسلم, كذلك بطريق الأولى والأحرى.

أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109)

لا يستوي مَن أسَّس بنيانه على تقوى الله وطاعته ومرضاته, ومن أسَّس بنيانه على طرف حفرة متداعية للسقوط, فبنى مسجدًا ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بين المسلمين, فأدَّى به ذلك إلى السقوط في نار جهنم. والله لا يهدي القوم الظالمين المتجاوزين حدوده.

لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)

لا يزال بنيان المنافقين الذي بنوه مضارَّة لمسجد (قباء) شكًا ونفاقًا ماكثًا في قلوبهم, إلى أن تتقطع قلوبهم بقتلهم أو موتهم, أو بندمهم غاية الندم, وتوبتهم إلى ربهم, وخوفهم منه غاية الخوف. والله عليم بما عليه هؤلاء المنافقون من الشك وما قصدوا في بنائهم, حكيم في تدبير أمور خلقه.

إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)

إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم بأن لهم في مقابل ذلك الجنة, وما أعد الله فيها من النعيم لبذلهم نفوسهم وأموالهم في جهاد أعدائه لإعلاء كلمته وإظهار دينه, فيَقْتلون ويُقتَلون, وعدًا عليه حقًا في التوراة المنزلة على موسى عليه السلام, والإنجيل المنزل على عيسى عليه السلام, والقرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. ولا أحد أوفى بعهده من الله لمن وفَّى بما عاهد الله عليه, فأظهِروا السرور-أيها المؤمنون- ببيعكم الذي بايعتم الله به, وبما وعدكم به من الجنة والرضوان, وذلك البيع هو الفلاح العظيم.



التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (112)

ومن صفات هؤلاء المؤمنين الذين لهم البشارة بدخول الجنة أنهم التائبون الراجعون عما كرهه الله إلى ما يحبه ويرضاه, الذين أخلصوا العبادة لله وحده وجدوا في طاعته, الذين يحمدون الله على كل ما امتحنهم به من خير أو شر, الصائمون, الراكعون في صلاتهم, الساجدون فيها, الذين يأمرون الناس بكل ما أمر الله ورسوله به, وينهونهم عن كل ما نهى الله عنه ورسوله, المؤدون فرائض الله المنتهون إلى أمره ونهيه, القائمون على طاعته, الواقفون عند حدوده. وبشِّر -أيها النبي- هؤلاء المؤمنين المتصفين بهذه الصفات برضوان الله وجنته.

مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)

ما كان ينبغي للنبي محمد صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا أن يدعوا بالمغفرة للمشركين, ولو كانوا ذوي قرابة لهم مِن بعد ما ماتوا على شركهم بالله وعبادة الأوثان, وتبين لهم أنهم أصحاب الجحيم لموتهم على الشرك, والله لا يغفر للمشركين, كما قال تعالى: (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) وكما قال سبحانه: (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ).

وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114)

وما كان استغفار إبراهيم عليه السلام لأبيه المشرك, إلا عن موعدة وعدها إياه, وهي قوله: “سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا” . فلما تبيَّن لإبراهيم أن أباه عدو لله ولم ينفع فيه الوعظ والتذكير, وأنه سيموت كافرًا, تركه وترك الاستغفار له, وتبرأ منه. إن إبراهيم عليه السلام عظيم التضرع لله, كثير الصفح عما يصدر مِن قومه من الزلات.

وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115)

وما كان الله ليضلَّ قومًا بعد أن مَنَّ عليهم بالهداية والتوفيق حتى يبيِّن لهم ما يتقونه به, وما يحتاجون إليه في أصول الدين وفروعه. إن الله بكل شيء عليم, فقد علَّمكم ما لم تكونوا تعلمون, وبيَّن لكم ما به تنتفعون, وأقام الحجة عليكم بإبلاغكم رسالته.

إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِ وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (116)

إن لله مالك السموات والأرض وما فيهن لا شريك له في الخلق والتدبير والعبادة والتشريع, يحيي مَن يشاء ويميت مَن يشاء, وما لكم مِن أحد غير الله يتولى أموركم, ولا نصير ينصركم على عدوكم.

لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)

لقد وفَّق الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الإنابة إليه وطاعته, وتاب الله على المهاجرين الذين هجروا ديارهم وعشيرتهم إلى دار الإسلام, وتاب على أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خرجوا معه لقتال الأعداء في غزوة (تبوك) في حرٍّ شديد, وضيق من الزاد والظَّهْر, لقد تاب الله عليهم من بعد ما كاد يَميل قلوب بعضهم عن الحق, فيميلون إلى الدَّعة والسكون, لكن الله ثبتهم وقوَّاهم وتاب عليهم, إنه بهم رؤوف رحيم. ومن رحمته بهم أنْ مَنَّ عليهم بالتوبة, وقَبِلَها منهم, وثبَّتهم عليها.

وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)

وكذلك تاب الله على الثلاثة الذين خُلِّفوا من الأنصار -وهم كعب بن مالك وهلال بن أُميَّة ومُرَارة بن الربيع- تخلَّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وحزنوا حزنًا شديدًا, حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بسَعَتها غمًّا وندمًا بسبب تخلفهم, وضاقت عليهم أنفسهم لِمَا أصابهم من الهم, وأيقنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه, وفَّقهم الله سبحانه وتعالى إلى الطاعة والرجوع إلى ما يرضيه سبحانه. إن الله هو التواب على عباده, الرحيم بهم.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)

يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، امتثلوا أوامر الله واجتنبوا نواهيه في كل ما تفعلون وتتركون, وكونوا مع الصادقين في أَيمانهم وعهودهم, وفي كل شأن من شؤونهم.

مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120)

ما كان ينبغي لأهل مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومَن حولهم من سكان البادية أن يتخلَّفوا في أهلهم ودورهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا يرضوا لأنفسهم بالراحة والرسول صلى الله عليه وسلم في تعب ومشقة; ذلك بأنهم لا يصيبهم في سفرهم وجهادهم عطش ولا تعب ولا مجاعة في سبيل الله, ولا يطؤون أرضًا يُغضِبُ الكفارَ وطؤهم إياها, ولا يصيبون مِن عدو الله وعدوهم قتلا أو هزيمةً إلا كُتِب لهم بذلك كله ثواب عمل صالح. إن الله لا يضيع أجر المحسنين.

وَلا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121)

ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة في سبيل الله, ولا يقطعون واديًا في سيرهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جهاده, إلا كُتِب لهم أجر عملهم; ليجزيهم الله أحسن ما يُجْزَون به على أعمالهم الصالحة.

وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)

وما كان ينبغي للمؤمنين أن يخرجوا جميعًا لقتال عدوِّهم, كما لا يستقيم لهم أن يقعدوا جميعًا, فهلا خرج من كل فرقة جماعة تحصل بهم الكفاية والمقصود; وذلك ليتفقه النافرون في دين الله وما أنزل على رسوله, وينذروا قومهم بما تعلموه عند رجوعهم إليهم, لعلهم يحذرون عذاب الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)

يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، ابدؤوا بقتال الأقرب فالأقرب إلى دار الإسلام من الكفار, وليجد الكفار فيكم غِلْظة وشدة, واعلموا أن الله مع المتقين بتأييده ونصره.

وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)

وإذا ما أنزل الله سورة من سور القرآن على رسوله, فمِن هؤلاء المنافقين من يقول: -إنكارًا واستهزاءً- أيُّكم زادته هذه السورة تصديقًا بالله وآياته؟ فأما الذين آمنوا بالله ورسوله فزادهم نزول السورة إيمانًا بالعلم بها وتدبرها واعتقادها والعمل بها, وهم يفرحون بما أعطاهم الله من الإيمان واليقين.

وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125)

وأما الذين في قلوبهم نفاق وشك في دين الله, فإن نزول السورة يزيدهم نفاقًا وشكًا إلى ما هم عليه من قبلُ من النفاق والشك, وهلك هؤلاء وهم جاحدون بالله وآياته.

أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126)

أولا يرى المنافقون أن الله يبتليهم بالقحط والشدة, وبإظهار ما يبطنون من النفاق مرة أو مرتين في كل عام؟ ثم هم مع ذلك لا يتوبون مِن كفرهم ونفاقهم, ولا هم يتعظون ولا يتذكرون بما يعاينون من آيات الله.

وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (127)

وإذا ما أُنزلت سورة تغَامَزَ المنافقون بالعيون إنكارًا لنزولها وسخرية وغيظًا; لِمَا نزل فيها مِن ذِكْر عيوبهم وأفعالهم, ثم يقولون: هل يراكم من أحد إن قمتم من عند الرسول؟ فإن لم يرهم أحد قاموا وانصرفوا من عنده عليه الصلاة والسلام مخافة الفضيحة. صرف الله قلوبهم عن الإيمان; بسبب أنهم لا يفهمون ولا يتدبرون.

لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)

لقد جاءكم أيها المؤمنون رسول من قومكم, يشق عليه ما تلقون من المكروه والعنت, حريص على إيمانكم وصلاح شأنكم, وهو بالمؤمنين كثير الرأفة والرحمة.

فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِي اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)

فإن أعرض المشركون والمنافقون عن الإيمان بك -أيها الرسول- فقل لهم: حسبي الله, يكفيني جميع ما أهمَّني, لا معبود بحق إلا هو, عليه اعتمدت, وإليه فَوَّضْتُ جميع أموري; فإنه ناصري ومعيني, وهو رب العرش العظيم, الذي هو أعظم المخلوقات.


إقرأ المزيد