بانر

سمالوط‏ أرض الخوف الاهالي يروون وقائع اختطاف أبنائهم

عندما وطئت أقدامنا مركز سمالوط بالمنيا‏,‏ وجدنا نظرات الخوف والقلق في عيون الناس‏..‏ الكل يتلفت حوله في ترقب‏,‏ والشك يساور الجميع أن من يخطو بجواره هو ضمن أفراد عصابة الخطف التي روعت الأهالي وعاثت في المركز والقري المحيطة به فسادا.
في ظل قصور واضح من أجهزة الأمن في القبض علي أفراد العصابة التي ترتكب جرائمها في وضح النهار وفي ظلمات الليل, فأصبح الفزع عدوي تصيب كل من يعيش في سمالوط أو حتي من وطأت قدماه المركز في زيارة خاطفة لإداء مهمته الصحفية!
كنا نعلم أن زيارة مركز سمالوط بالمنيا محفوفة بالمخاطر خاصة بعد سماع سيناريو وقائع الخطف التي بلغت نحو14 واقعة شهدها المركز خلال الشهر الماضي فقط حسب روايات الأهالي, وأكد لنا عدد كبير منهم أن الجناة من محترفي الإجرام والمسجلين خطر في سمالوط, ويرجح أن يكون الخاطفين من أبناء المركز نفسه نظرا لدرايتهم بالحالة المادية والإجتماعية لأسر المخطوفين ويؤكد البعض أن لهم عيونا في كل مكان ترصد تحركات الأهالي, وأكدت تفاصيل وقائع الإختطاف أن سيناريو الخطف متشابه إلي حد كبير في معظم الجرائم وفي الأغلب فإن التشكيل العصابي واحد نظرا لوجود سيدتين منتقبتين يشاركان في إرتكاب الجرائم أو المساعدة فيها طبقا لروايات العائدين من الاختطاف الذين أكدوا علي وجود هاتين السيدتين كعامل مشترك في كل الوقائع.
ومع تزايد وقائع الإختطاف يوما بعدالآخر في سمالوط ليصل إلي وقوع حالتين خلال الأسبوع الواحد الأمر الذي دعا الأهالي إلي تنظيم مظاهرة كبيرة تتكون من نحو3 ألاف شخص قطعوا خلالها الطريق الصحراوي متوجهين إلي قسم الشرطة لمطالبة أجهزة الأمن بسرعة القبض علي أفراد التشكيل العصابي الذي يهدد أمن أبنائهم طوال الوقت في ظل تقصير أمني واضح بعدم ضبط المتهمين إلي الأن رغم تعدد وقائع الاختطاف, خاصة أن هناك محاضر رسمية تفيد بوقائع الإختطاف لكن دون وجود تحرك حقيقي من الشرطة, وإزاء هذا الصمت أو ربما التواطؤ الشرطي كما يقول الأهالي-, قام أئمة المساجد في المركز بالتنبيه علي الأهالي بعدم إرسال أبنائهم إلي المدارس خشية عليهم أن يقعوا ضحايا في قبضة عصابة الخطف, وبحسب تأكيدات مديري عدد من المدارس فإن نسبة الغياب بلغت80% ووصلت في نهاية الأسبوع الدراسي الماضي إلي100%, كما أغلق أصحاب المحال التجارية محالهم مع تمام الساعة السادسة من مساء كل يوم وهو ما أدي إلي وجود خسائر إقتصادية فادحة لجميع تجار سمالوط.
سيناريوهات الخطف
لم تكن المهمة سهلة علي الإطلاق منذ بدايتها, وزاد الأمر صعوبة أن أسر المخطوفين أو حتي العائدين من الاختطاف لا يزالون يخشون بطش أفراد العصابة إذا ما خرجوا عن صمتهم وكشفوا كثير من التفاصيل المتعلقة بوقائع الاختطاف التي تعرض لها أبناؤهم, وفي بداية جولتنا بالمركز توجهنا إلي القمص اسطفانوس شحاتة وكيل مطرانية سمالوط الذي يمتلك باعا كبيرا من الثقة لدي الأهالي سواء كانوا من الأقباط أوالمسلمين ولأنه أيضا يعيش المأساة نفسها كواحد من أبناء المركز, طلبنا منه المساعدة في لقاء أسر المخطوفين, ودون تردد رحب الرجل لأنه يدرك أن وقائع الخطف بلغت حد الظاهرة في سمالوط, وأجري اتصالا هاتفيا بالشيخ إيهاب العطار إمام مسجد الصفا وتوجهنا في صحبة القمص شحاتة والشيخ إيهاب إلي الأهالي وكانت البداية مع يوسف ناعوم خال الضحية روماني أيوب(25 سنة) العائد من الإختطاف وروي سيناريو الخطف عندما كان روماني يستقل السيارة بصحبة والده وكانت تتبعهما سيارة تحمل لوحات الجماهيرية الليبية وقامت بقطع الطريق عليهما عنوة حتي نزل منها ملثمين وقاما بخطف روماني من السيارة وعندما حاول والده المسن إنقاذه قام أحد الجناة بالاعتداء عليه بمؤخرة سلاح كان بحوزته وقام الملثمان بوضع عصابة علي عينه وتقييده بالحبال ثم اقتادوه في السيارة إلي مكان غير معلوم, وبعد ساعتين من إختطافه فوجئت باتصال علي هاتفي المحمول من تليفون روماني نفسه واستخدمه أحد خاطفيه في إجراء الاتصالات بأسرته لطلب فدية مقابل الإفراج عنه, وبدأت المفاوضات من مبلغ200 ألف جنيه حتي وصلت إلي70 ألف بعد محاولات لتخفيض مبلغ الفدية, وخلال هذه المفاوضات كان الجناة يتعمدون إنزال الخوف والرعب في قلوبنا علي مصير روماني من خلال سماع صوته أثناء الاعتداء عليه وتعذيبه بإطفاء أعقاب السجائر في جسده, حتي جاء موعد تسليم مبلغ الفدية وطلب مني الخاطفون التوجه إلي نفس مكان الخطف فذهبت بصحبة والده في الموعد المحدد ووجدت هناك شخصا ملثم الوجه يستقل دراجة بخارية فسلمناه المبلغ وأخبرنا أننا سنجد روماني بعد ساعتين علي إحدي الطرق المؤدية للمركز وبالفعل وجدنا روماني ملقي علي الأرض مقيد اليدين ومعصوب العينين وعلي جسده بدت آثار التعذيب, ومن وقتها يعيش روماني حالة نفسية سيئة ولم يعد إلي عمله في محل الملابس الخاص به لدرجة أنه يخشي الخروج للشارع, ونحاول جاهدين مساعدته للخروج من تلك الأزمة الأليمة.
أما مصطفي أبو ياسين عم الطفلة أميرة بالصف الأول الثانوي التي تم إختطافها يوم الخميس قبل الماضي فقال: كانت أميرة في طريقها لحضور درس خصوصي في الثامنة مساء ونظرا لوجود إصلاحات بالصرف الصحي في الشارع العمومي سلكت أميرة أحد الشوارع الجانبية فاستوقفتها سيدة منتقبة كانت تستقل توك توك مع أخري منتقبة أيضا وقامت إحداهن بسؤالها عن مكان أحد الأطباء وعندما يدأت في وصف الطريق غافلتها إحداهما وقامت بتكميمها وتخديرها وإصطحبوها في التوك توك لمكان مجهول, وعندما تأخرت حتي العاشرة والنصف مساء بدأ القلق يتسلل إلي قلب والدها, خاصة أن وقائع الخطف انتشرت بشكل مرعب في المركز, وبدأ يسأل عنها في كل مكان وفي الساعة الثانية من بعد منتصف الليل جاءنا إتصال علي تليفون المنزل من إحدي السيدات الخاطفات, وأبلغتنا أن أميرة لديهم وطلبت فدية100 ألف جنيه لإعادتها مرة أخري, ولم نبلغ الشرطة خشية علي حياتها, ولاقتناعنا بأن الشرطة لن تفعل شيئا كما حدث في الحوادث السابقة, وبعد مفاوضات طويلة مع الجناة تمكنا من تخفيض مبلغ الفدية إلي50 ألف جنيه, وبعد ظهر اليوم التالي أمرنا الخاطفون بالتوجه للطريق الصحراوي وترك المبلغ في مكان محدد بالصحراء وأسمعونا صوت أميرة حتي نطمئن عليها, وقالوا لنا أننا سنراها بعد ساعتين, إلا أننا إنتظرنا عودتها من الساعة الواحدة ظهرا وحتي الثامنة مساء ولم تعدحتي جاءنا إتصال جديد من الجناة أخبرونا بوجود أميرة علي طريق إحدي القري التابعة للمركز وبالفعل وجدناها هناك معصوبة العينين ومقيدة اليدين, وكشفت عن أنها ظلت طيلة الوقت منذ إختطافها معصوبة العينين, إلا أنها كانت تسمع صوت سيدة تحضر لها الطعام, ولم تستطع التعرف علي خاطفيها.
لم يختلف سيناريو اختطاف أمير ماهر حليم(23 سنة) عن سيناريو اختطاف باقي الضحايا فكان يستقل دراجة بخارية في طريقه إلي عمله وفوجئ بسيارة تصدمه ليسقط بعدها علي الأرض وقام الجناة بتكميم فمه وتخديره ونقلوه إلي مكان مهجور مغشيا عليه ومعصوب العينين, وألقوا به داخل غرفة لها باب حديدي تشبه الزنزانة, وبنفس السيناريوهات السابقة تمت استعادته مقابل مبلغ100 ألف جنيه.
لغز محمود!
أما واقعة اختطاف الطالب محمود مصطفي فودة فلا تزال تشكل لغزا محيرا عجز الجميع عن فك طلاسمه, فعلي الرغم من قيام الأب بدفع مبلغ100 ألف جنيه فدية مقابل عودة نجله, إلا أن الأبن لم يعد ليمر علي اختفائه منذ أكثر من20 يوما, في الوقت الذي انقطعت فيه إتصالات الخاطفين, ولا يزال الأب المكلوم يعيش علي أمل عودته إلي أحضانه
بصوت تملؤه الحسرة والانكسار يروي الأب تفاصيل الواقعة من بدايتها قائلا: أعتاد ابني محمود أن يساعدني في المحل الذي أملكه بعد الانتهاء من يومه الدراسي بالصف الثاني الثانوي الصناعي, وفي يوم الحادث المشئوم أغلق محمود المحل في الساعة الثامنة مساء إلا أنه لم يعد إلي المنزل,وأعتقدت أنه ذهب إلي أي مكان وسيعود بعدها, ولكني فوجئت في نحو الساعة العاشرة من مساء نفس اليوم باتصال هاتفي من تليفونه المحمول فرددت عليه بلهفة متسائلا' أين أنت يا محمود؟' ففوجئت بصوت غريب لأحد الأشخاص يخبرني أنه قام بخطف ابني محمود ويطلب مبلغ فدية100 ألف دولار وهددني بقتله وتعليق رأسه علي الطريق الصحراوي إذا ابلغت الشرطة, ولم أصدق نفسي من هول الصدمة وكدت أفقد عقلي وعجزت عن التفكير, ولم يكن أمامي سوي الاستجابة لهم ومحاولة التفاوض معهم علي تخفيض المبلغ وأخبرتهم أنني لا أملك هذا المبلغ الكبير, فاندهشت عندما أخبروني بأنهم يعلمون أنني ميسور الحال ومن الممكن تدبير المبلغ حتي توصلنا الي صيغة نهائية في التفاوض بالاتفاق علي دفع مبلغ100 ألف جنيه وذلك بعد خمسة أيام متواصلة من المفاوضات. يصمت الأب للحظات ليلتقط أنفاسة ثم يكمل حديثه قائلا:' محمود هو أكبر أبنائي وسندي في الحياة ولا يعوضني عنه أموال الدنيا كلها, وقررت أن أدفع المبلغ المطلوب في الموعد الذي حدده الجناه من خلال أحد أقاربي الذي ذهب في المكان والموعد المحدد وتسلم منه أحد أفراد العصابة الفدية وأبلغه أن محمود ملقي به في محطة مطاي, فذهبنا جميعا والأمل يراودني في رؤيته مرة أخري لكن سرعان ما تبدد هذا الأمل لم نجد أي أثر لمحمود في المحطة ورجعنا نجر أذيال الخيبة وبعدها انقطع الاتصال بالخاطفين حتي هذه اللحظة, وعندما ضاقت الدنيا في وجهي اصطحبت أبنائي واعتصمنا علي قارعة الطريق أمام مبني مديرية الأمن لمساعدتي في معرفة مصير ابني, ولن ينقطع الأمل بداخلي في رؤيته مرة أخري.