بانر

«الآثار الغارقة».. قصة متحف «حائر» بدأت «مجنونة» وأصبحت «مستحيلة»

لاتزال فكرة إنشاء متحف للآثار الغارقة، محل جدل بين أثريى الثغر ومصر بالكامل، ففى الوقت الذى يتفق فيه البعض مع هذه الفكرة باعتبارها مشروعاً قومياً يعيد للسياحة الأثرية فى المحافظة نشاطها ومجدها ويحفظ المدن والأحياء الغارقة من الاندثار، فإن التكلفة المرتفعة، التى قد تصل إلى 150 مليون يورو جعلت الفكرة فى نظر بعض مسؤولى الآثار «فكرة مجنونة» يصعب تنفيذها.

وعلى النقيض تعانى منطقة ماريا الأثرية، خطر التعديات التى قال عنها أثريون إنها باتت مهددة بخطر الانقراض بسبب التعدى على ما يقرب من 2000 فدان، من إجمالى مساحتها البالغة 4 آلاف فدان ما أدى إلى مطالبتهم بتقديم من سهل عمليات الاستيلاء على الآثار إلى المحاكمة وإعداد ما يسمى «القائمة السوداء» للمتعدين على الآثار فى منطقة ماريا لتحويلهم إلى نيابة الأموال العامة.

بدأت فكرة التوجه إلى إنشاء متحف لعرض القطع الأثرية الغارقة التى عثر عليها تحت مياه البحر، خاصة منطقة الميناء الشرقى وخليج أبوقير وشرق قلعة قايتباى- تراود العديد من مسؤولى المجلس الأعلى للآثار، وعلى رأسهم الدكتور زاهى حواس، الأمين العام للمجلس وجموع الأثريين فى مصر، لكن هذه الفكرة التى يزيد عمرها على 15 عاماً أخذت تغرق فى بحر من الغموض وارتفاع التكلفة الإجمالية لها التى تتعدى 150 مليون يورو على أقل تقدير، حسبما قالت مصادر أثرية مطلعة، فيما أكد البعض الآخر أهمية هذا المتحف خاصة فى إحياء الحركة السياحية للمدينة، حيث إن الإسكندرية لا تحظى باهتمام سياحى يعبر عن كونها العاصمة الثانية.

فى البداية قال الدكتور إبراهيم درويش، المشرف العام على الإدارة المركزية لمتاحف الإسكندرية: إن فكرة إنشاء متحف للآثار الغارقة ولدت فى أواخر التسعينيات على خلفية كم القطع الأثرية النادرة التى عثر عليها تحت مياه البحر، وكانت تمثل مدناً وأحياء أثرية وتاريخية مهمة فى تاريخ الإسكندرية القديمة، فكان من الضرورى إنشاء متحف لعرض هذه القطع والحفاظ عليها من خلال توفير بيئة بحرية لها مماثلة لبيئتها الموجودة فى البحر.

وأضاف «درويش»- فى تصريحات لـ«إسكندرية اليوم»- أنه تم التفكير بشكل جدى فى هذا المشروع، بعد العثور على مجموعات كبيرة جداً من الآثار الغارقة، تحت الماء فى مناطق الميناء الشرقية وخليج أبوقير وشرق قلعة قايتباى، مشيراً إلى أن الدكتور زاهى حواس، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أعلن خلال لقائه بمركز الإسكندرية للإبداع قبل شهر أنه شكل لجنة لدراسة الموضوع من جميع جوانبه الفنية والهندسية والبحرية، وجار حاليا طرح مشروع لعمل الدراسات والأبحاث العلمية والفنية اللازمة لتحديد النواحى العلمية والبيئية والبحرية لإنشاء المتحف، بعد موافقة الجهات السيادية عليه.

وتابع: «لم يحدد الموقع النهائى لإنشاء المتحف، حتى الآن، وجميع المناطق التى يتحدث عنها الأثريون مطروحة للدراسة والتقييم وإن كان الاهتمام الأكبر حاليا يتجه إلى منطقة الميناء الشرقى خاصة أنها كانت مقراً للأسرة البطلمية الحاكمة والملوك البطالمة، أو مقر الحكم فى العصر البطلمى».

وأشار إلى أن تكلفة الدراسات الأولية التى تحدد مدى صلاحية الموقع لإقامة المشروع، تتراوح ما بين مليون ومليون ونصف المليون دولار، لافتاً إلى أن هناك مشروعات أخرى كان ينبغى أن يكون لها الأولوية لدى المجلس الأعلى للآثار، بدلاً من المتحف الغارق وهى إتمام وإنهاء أعمال التطوير الجارية فى المتحف اليونانى الرومانى الذى يعد أم المتاحف فى الإسكندرية والمتحف البحرى وإنشاء متحف الموزاييك، متوقعاً أن تصل التكلفة الإجمالية للمتحف إلى 150 مليون يورو وهو ما يفوق إمكانيات المجلس الأعلى للآثار- حسب قوله.

وقال الدكتور محمد عبدالمقصود، رئيس الإدارة المركزية لآثار الإسكندرية والوجه البحرى وسيناء لـ«إسكندرية اليوم»: إن أهمية المتحف تكمن فى أنه يساهم فى مزيد من التنمية السياحية للمحافظة، ويعد نوعاً جديداً من السياحة الأثرية، خاصة الآثار الغارقة.

وأضاف: «المتحف هو الوحيد من نوعه ويكون مميزاً لمحافظة الإسكندرية على وجه الخصوص عن باقى مدن حوض البحر الأبيض المتوسط»، مشيراً إلى أن المواقع المرشحة لإنشاء المشروع سواء كانت خليج أبوقير أو الميناء الشرقى جيدة جداً ومناسبة للمشروع.

وقال علاء محروس، مدير عام الإدارة العامة للآثار الغارقة، إن المشروع قومى وفريد من نوعه، مشيراً إلى أن لدينا مدناً وأحياء أثرية قديمة كاملة غارقة تحت مياه البحر تستوعب وتتطلب إنشاء متحف لعرضها مثل الحى الملكى فى العصر البطلمى الموجود فى منطقة الميناء الشرقى والموقع المقترح لإنشاء المتحف.

وأشار إلى أن المتحف يمثل طفرة للمدينة من الناحية السياحية خصوصا لأنها لا تحظى باهتمام سياحى يتناسب مع كونها العاصمة الثانية وأهميتها الأثرية، لافتاً إلى أنه نظراً لأهمية الآثار الغارقة تم فى عام 1996 إنشاء إدارة للآثار الغارقة فى الإسكندرية تابعة للمجلس الأعلى للآثار لأول مرة وتضم مجموعة من الأثريين المصريين برئاسة الأثرى الدكتور إبراهيم درويش، رائد الغوص فى أعماق البحار آنذاك.

وقال الأثرى أحمد عبدالفتاح، عضو اللجنة الدائمة لحماية الآثار، المشرف العام على آثار ومتاحف الإسكندرية: إن بداية البحث عن الآثار الغارقة فى مصر كانت عام 1933 وبدأت عمليات التعرف على الآثار الغارقة وانتشالها فى منطقة خليج أبوقير، مشيراً إلى أنه فى عام 1961 تحديداً بدأ التعرف على آثار الإسكندرية الغارقة بمنطقة الحى الملكى عندما اكتشف الأثرى الراحل والغواص المعروف «كامل أبوالسعادات» كتلاً أثرية غارقة فى أعماق البحر، بمنطقة الميناء الشرقية أمام لسان السلسلة ومنطقة شرق قلعة قايتباى فى منطقة المنشية التابعة لحى الجمرك.

وأوضح لـ«إسكندرية اليوم» أنه تم انتشال بضعة أوانى فخارية فى عام 1961 وبعد ذلك تم أيضا انتشال قطعة وعملة ذهبية تعود للعصر البيزنطى بواسطة «أبوالسعادات» وتم تسليمها للمتحف اليونانى الرومانى، فضلاً عن التوصل إلى معلومات مهمة عن وجود تماثيل ضخمة وعناصر أثرية أخرى تحت الماء، أبرزها تمثال من الجرانيت لرجل يرتدى عباءة تغطى معظم بدنه ويبلغ طوله 170 سنتيمتراً، وكان ذلك فى النصف الأول من نوفمبر فى عام 1962.

وقال إنه فى عام 1992 قامت بعثة معهد بحوث أوروبا للبحار برئاسة فرانك جوديو، خبير الكشف عن الآثار الغارقة، بالعمل فى منطقتى أبوقير والميناء الشرقى وتمكن من الكشف عن الكثير من الأسرار الغامضة لآثار الإسكندرية الغارقة، فضلاً عن وجود آلاف القطع الأثرية أسفل قلعة قايتباى من أعمدة وتيجان وقواعد وتماثيل وعناصر معمارية مصرية وإغريقية ورومانية