تداولت الصحافة السودانية خلال الايام الماضية وبالتحديد مع تزامن عرض المسلسل التلفزيونى للنجم الكبير الدكتور يحيي الفخرانى وهو مسلسل "الخواجة عبد القادر" حيث اكدت المصادر السودانية ان هذه القصة حقيقية وحدثت بالفعل خلال الفترة من1932 وحتى سبعينيات القرن الماضي وقد ننفرد اليوم بنص الحديث الصحفي الذى اجراه الخواجه عبد القادر لجريدة الاضواء السودانية عام 1969 والذى حكى فيها الخواجه عبد القادر قصته كاملة وانه نمساوى الاصل ولد في فيينا وانه من اب نمساوي وام المانية وانه درس الطب لمده عام ثم تركه ودرس الهندسة تخصص بناء الكبارى والسدود ثم انتقل للعمل بفرع الشركة الانجليزية التى كان يعمل بها الى السودان لتكملة بناء السدود هناك وهناك التقى روحيا بالشيخ عبد الباقى المكشفانى وهو الذى دخل على يديه الاسلام
والان مع نص اللقاء الصحفي الذى تم اجرائه مع الخواجه عبد القادر الحقيقي
حوار محجوب كرار
كلفت الزميل الصحفى عبد الرحيم يس بالبحث فى دار الوثائق عن الحوار الصحفى الذى أجراه المرحوم محجوب كرار مع الخواجة عبد القادر، وبالفعل وجدنا سلسلة من الحوارات مع الخواجة عبد القادر أجراها المرحوم محجوب كرار من الشكينيبة، وسنورد بعضًا مما دار فيها، ولكن المدهش أيضًا أن الحوار تطابق تمامًا مع المعلومات التى نشرناها فى الحلقة الأولى التى ظلت متداولة لنصف قرن بين مريدى وأحباب وأبناء وأحفاد الشيخ عبد الباقى المكاشفى.
من الخواجة عبد القادر؟
حكى الخواجة عبد القادر عن نفسه من خلال هذا الحوار قائلاً إنه من أم ألمانية وأب نمساوى، ولد عام 1907 ببلدة صغيرة بضواحى فيينا من عائلة تنتمى إلى ملاك الأراضى، ومن تقاليدها الراسخة أن يعمل أبناؤها ضباطًا بالجيش الألمانى.
وقال إنه حضر للسودان عام 1933 مع الشركة الإنجليزية "جيبسون وشركاه" لبناء خزان جبل أولياء على نفقة الحكومة المصرية، وذلك بعد أن قمنا بتعلية خزان أسوان تعلية ثانية سنة 1932م.
كيف دخل الإسلام
يقول الخواجة عبد القادر إنه قرأ كثيرًا عن الأديان، ومن بينها الدين الإسلامى وقد جذبه الإسلام، وزاد عليه ملاحظته خلال عمله بالسودان سلوك المسلمين وأداءهم شعائرهم الصلاةً وصوم رمضان، وحلقات الذكر التى كانت مرتين فى الأسبوع.وقال إنه مال للإسلام وفكر فى أن يسلم وأن يلتقى بشيخ كبير فى العلم والمعرفة، إلى أن رأى رؤيا صادقة فيها الشيخ عبد الباقى المكاشفى، ودعاه إلى تحقيق ما عزم عليه من القيام بزيارته للشكينيبة، وفى اليوم التالى مباشرة ذهب إلى "ود مدنى" بالقطار، ثم بعربة إلى المناقل فالشكينيبة، وقد أسلم على يديه بعد صلاة العصر مباشرة فى اليوم نفسه.
ويقول الخواجة عبد القادر: لاحظت أن الحلقة التى يجلس أمامها الشيخ عبد الباقى المكاشفى كانت تعلم بحضورى، ولم أكن قد التقيت أحدهم من قبل، وكنت أظن أن الشخص الوحيد الذى كان على علم بوجودى هو الشيخ عبد الباقى المكاشفى.
وبالفعل أسلم الخواجة عبد القادر وخصص له خلوة خاصة ولازم الشيخ عبد الباقى لمدة 14 شهرًا بعد أن استقال من منصبه.
الحج والدراسة فى مصر
يؤكد الخواجة عبد القادر ما ورد من حكايات من خلال حواره مع صحيفة الأضواء فى 11 مايو 1969 من أنه بعد 14 شهرًا بعثه الشيخ عبد الباقى المكاشفى للحج، ثم إلى مصر للدراسة فى الأزهر الشريف، وزوده كما قال بقدر من المال والضروريات الأخرى التى تكفى لقيامه بالرحلة، ويضيف: وقد بلغ حبى له أيضًا أن اتخذنى ابنًا وأعطانى اسما كريمًا هو "عبد القادر" ولذلك أجريت بعض التعديلات فى جواز سفرى النمساوى وجنسيتى المصرية.
وأعلن ذلك فى وثيقة الحكومة المصرية الصادرة له فى ذلك الوقت (الوثيقة التى نشرت من قبل).
وحسب رواية أحد أحفاد الشيخ المكاشفى - وأكدها الخواجة فى حواره - أنه حجز فى "جدة" هو وبعض الأجانب المسلمين إلى أن أرسل الملك عبد العزيز برقية للشيخ المكاشفى ورد عليه ليسمح له بالحج، وقد كان.
والده "الشيخ عبد الباقى المكاشفى"
قال الخواجة: إن والدى "الشيخ عبد الباقى المكاشفى" كان الرجل الذى أصبح مثلى الأعلى فيما بعد، وكان أكبر من المقاييس التى توضع عادة لقياس الرجال، كان الخير الذى يطلب لذاته، لم يشرب الخمر، ويحب الموسيقى.
ويصف الخواجة عبد القادر نفسه فى صباه: كنت انطوائيًّا، فلم أرقص ولم أشرب الخمر فى حياتى إلا من نوع خاص من النبيذ حلو الطعم يتعاطاه الناس هناك على موائد الطعام، كنت محبًّا للموسيقى منذ وقت مبكر، بدأت بدراسة الطب لمدة عام، وتركتها لدراسة الهندسة للتخصص فى الكبارى وبناء السدود فى جامعة فيينا، ثم جامعة ميونخ بألمانيا، وحصلت على دبلوم طبقات الأرض.
لماذا قرر الخواجة عبد القادر الإقامة فى مصر؟
كان آخر الأسئلة له: لماذا قررت الإقامة فى مصر؟ فقال: أحببت مصر، وقد عملت بها خمسًا وعشرين عامًا، ومُنحت الجنسية المصرية الفخرية تقديرًا لخدماتى، وإن كنت لا أزال احتفظ بجنسيتى الأصلية إلا أننى لن أفكر فى ترك القاهرة، لأن بها ضريحَى الحسين وسيدتنا زينب سبطى النبى عليه أفضل الصلاة والسلام، ولو جاءت بك الظروف هناك فستجدنى بأى "صلاة صبح" بجامع الحسين، وكما أحببت مصر احتلت الشكينيبة المكان الثانى بعد مسقط رأسى، وقد أحببت كل ناسها الذين استطاعوا رغم بساطتهم أن يغيروا بسلوكهم ومعاملاتهم مفاهيمى السابقة عن النبل والشجاعة وحلاوة الإخاء.
الشيخ الحمدابى زار خلوته فى صعيد مصر
وما قصة ضريحه فى مصر؟!!
التقينا من خلال هذا البحث عن حقيقة الخواجة عبد القادر الشيخ حامد عبد الرحمن الحمدابى، وهو من أبناء جعافرة الدويم، وله جذور فى منطقة دراو، قرية بمبان، وهى من أغرب الصدف أنها تمثل جذور معظم قبيلة الجعافرة بالدويم، يقول الشيخ حمدابى إنه زار منطقتهم وبحكم معرفته بقصة الخواجة عبد القادر لصلاته بالمكاشفية عرف أن الخواجة عبد القادر كان سائحًا صوفيًّا يتجول فى أنحاء مصر حتى وصل إلى دراو وقريتهم بمبان، أعجبته المنطقة لأنها شبيهة بمدن السودان، وقراها، ولها ارتباط وثيق بهم من خلال تجارة الجمال التى تمر عبرهم من دارفور وكردفان، وهى أحد أكبر المراكز التى يتجمع فيها تجار الجمال السودانية حتى أصبح سوقًا معروفة للجمال السودانية.
ولهذا بنى الخواجة عبد القادر خلوة على شاطئ النيل ليتعبد فيها، وهى مازالت موجودة وقريبة من قبة الشيخ الشريف عبدالله. كان للشيخ الخواجة علاقات قوية مع عمدة القرية وبعض الأعيان مثل مصطفى الحنضلاوية الذى كان يعمل فى الأوقاف، والذى كان يحضر له معاشه من الحكومة المصرية.
ونسبة لهيئته الحسنة ومظاهر عدم الحاجة والغنى ظن أهالى المنطقة أن له كرامات فى جلب المال والحصول على كنوز الفراعنة فى هذه المنطقة رغم أنه لم يكن يخرج من خلوته التى يتعبد فيها كثيرًا فاعتبروه رجلاً صالحًا وليًّا تسخر له كنوز الدنيا.
وفى بداية السبعينيات حزم فجأة الخواجة عبد القادر حقائبه وقال إنه مسافر للسودان لقرية "ود أبو آمنة"، وكان يزور الشكينيبة بالطبع حتى بعد وفاة شيخه ووالده عبد الباقى المكاشفى، إلا أنه ذهب هذه المرة ولم يعد مرة أخرى، حسبما أوردنا من قبل، وتوفى هناك.
خلوته فى مصر فى قرية بمبان، منطقة دراو، مازالت موجودة يتهيبها مواطنو القرية، ولم يمسوها حتى الآن، رغم أنها آيلة للسقوط.
عذرًا دار الوثائق
من الطرائف فى البحث عن الحوار فى دار الوثائق أن الأستاذ عبد الرحيم يس حينما طلبت منه تصوير الصفحات أبلغنى بأن سعر التصوير للصفحة A4 200 جنيه، ويعنى هذا أن الصفحة التايلوين بـ 500 جنيه، وهكذا.. فغضبت وكنت أود توجيه نقد لاذع لدار الوثائق، إلا أن عبد الرحيم عاد اليوم التالى وهو يحمل صور الصفحات وهو يضحك، المبلغ المطلوب كان 200 بالقديم، وليس بالجديد، أى قرشين، أو خمسة قروش، ورمضان كريم.
والان مع صور الحديث الصحفي النادر مع الخواجه عبد القادر