يعاني نصف الصائمين تقريباً من صداع الرأس أثناء شهر رمضان، على الأقل هذا ما تشير إليه الإحصاءات التي رصدت شيوع ما تطلق عليه اسم "صداع رمضان".
تكاد الدراسات التي تتناول الصداع في أشهر الصيام أن ترفعه- من ناحية الشيوع- إلى مصاف الأوبئة التي تنتشر بالعدوى بين الناس، بل ويتفوّق عليها من حيث أنّه يتمكّن من رؤوس الجميع دون أن يستثنى حتّى الأطبّاء والعاملين في المجال الصحيّ، إذ تستنتج إحدى أشهر الدراسات (التي سبق أن نُشرت في مجلّة Headache) أنّ صداع رمضان يصيب أربعة من أصل كلّ عشرة صائمين من الطواقم الطبيّة في مشافي المملكة العربيّة السعوديّة.
بالمقابل، فإنّ هذه النتائج لا تعني بحال من الأحوال أنّ آلام الرأس لازمة حتميّة ترافق شهور الصيام، إذ لا يعتقد مثلاً أنّ وباء "صداع رمضان" قد انتشر بين الأقدمين رغم حرّ وجفاف حياة البادية، بل يبدو علمياً أنّ أسبابه الرئيسيّة تتعلّق بنمط الحياة الحديثة وبالتغيّرات التي تطرأ عليها في أيّام الشهر الفضيل، إضافة لذلك فإنّ انتشاره بين الأطبّاء لا يعني أنّ الطبّ عاجز عن الحدّ منه، إذ لا يحتاج الأمر لأكثر من الالتزام ببعض المعايير الصحيّة التي تكفي غالباً لتجنّب وطأة آلامه.
يوصف "صداع رمضان" غالباً بأنّه يتركّز في مقدّمة الرأس في الجهتين، ذو طبيعة نابضة وحادّة، خفيف أو متوسّط الشدّة وتزداد آلامه بطول مدّة الصيام. يظهر عادة أثناء الظهيرة وقبل الإفطار، ويستمرّ بين الساعة والساعتين، وأحياناً لا يزول إلا بتناول وجبة الإفطار. يشيع غالباً بين الأشخاص المعرّضين بشكل اعتيادي لآلام الرأس، إلا انّه يصيب أيضاً أشخاصاً قلّما يخبرون هذه التجربة خارج أيّام الصيام.
تتفّق أغلب الأبحاث التي درست هذه الظاهرة على أنّها تبلغ ذروتها في أوّل أيّام رمضان، ثمّ (بعد حوالي أسبوعين) يتأقلم جسد الصائم على النمط الرمضاني الجديد وتخفّ وطأة الصداع. لذا، يعتقد الباحثون-انطلاقاً من هذه الملاحظات- أنّ أحد المسبّبات الرئيسيّة لهذه الظاهرة هي أعراض "سحب" بعض المواد المدمنة التي اعتادها الصائم، أهمها "الكافيين" الموجود في القهوة والشاي والعديد من المشروبات الشائعة، لذا فإنّ أهمّ النصائح الصحيّة التي يمكن أن توجّه للصائم هي أن يقلّل تدريجياً استهلاكه للمشروبات الغنيّة بالكافيين في الأسابيع التي تسبق قدوم الشهر الكريم، بالمقال، يرى بعض الخبراء أن تناول الصائم فنجاناً مركّزاً من القهوة في الليلة السابقة لصيامه يمكن أن يساعد في الحدّ من آثار سحب "الكافيين".
بذات السياق، فإنّ آثار سحب "النيكوتين" قد تلعب دوراً مهماً لدى المدخّنين. وبالطبع فإنّ النصيحة الطبيّة في هذا الصدد تتمثّل في الإقلاع الفوري عن التدخين باستخدام الوسائل المتاحة (جلسات علاجيّة، أدوية، لواصق النيكوتين، السيجارة الإلكترونيّة.. إلخ)، ولكن قد يكون مفيداً أيضاً التقليل من عدد السجائر المدخّنة خلال اليوم في الأسابيع السابقة لرمضان، رغم عدم وجود دراسات تؤكد ذلك حتى الآن.
من جهة أخرى، يردّد العديد من الباحثين أنّ نقص السكّر (الجلوكوز) في الدم سبب رئيسي للصداع على اعتبار أنّه مصدر الطاقة للدماغ، إلا أنّ هذه المعلومة تبقى جدليّة -عكس ما يعتقد العديد من الأطباء- طالما أنّ بعض الدراسات تؤكّد أنّ الجلوكوز المختزن في الكبد (بصيغة جلايكوجين) يكفي للحفاظ على المعدّلات الطبيعيّة في الدم لمدّة يوم كامل من الصيام، ورغم ذلك فإنّ الأكيد هو تأثير تناول الوجبات الغنيّة بالسكر (خصوصاً الحلويّات) أثناء وجبة "السحور" والذي يؤدّي إلى ارتفاع حاد في معدّلات الجلوكوز في الدم، يتبعه انخفاض أثناء الصيام يفضي بدوره للصداع. لذا فإنّ أهمّ الإرشادات التي يمكن توجيهها هي تجنّب الوجبات التي تحوي على نسب عالية من السكّر، والإقبال على الأطعمة التي يكون هضمها بطيئاً كالحبوب والبقول والخضراوات والفواكه.
يشكّل التجفاف مشكلة إضافيّة خصوصاً في المناطق الحارّة والجافّة، لذا فإنّ الإكثار من السوائل أثناء وبعد الإفطار قد يكون حلاً، يضاف إلى هذه العوامل قلّة النوم والتغيير المفاجئ لنظامه، إذ تشير إحدى الدراسات مثلاً أنّ معدّل ساعات النوم يقلّ بمقدار ساعتين تقريباً بين البالغين في رمضان، وهو ما يحتاج لضبط وتنظيم لتجنّب الصداع.
أخيراً، هنالك مسبّبات أخرى أقلّ تأثيراً، منها مثلاً التغيّرات الهرمونيّة لدى المرأة والتي تبلغ ذروة تفاوتها قبل أيّام الطمث وأثناءها، وهو ما يلعب ربّما دوراً في التسبب بآلام الرأس وتفسّر بالتالي شيوع "صداع رمضان" بين النساء أكثر من الرجال كما تشير بعض الدراسات، إضافة لذلك فإنّ المبالغة والإكثار من الطعام واعتماد الوجبات الغنيّة بالدهون أثناء الإفطار، قد يسبّب صداعاً يبدأ بمجرّد انتهاء عناء الصيام.