بانر

المشاركة المصرية في مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية



ضمن فعاليات المسابقات الرسمية للدورة الأولى من مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية، هناك خمسة أفلام مصرية تنافس أربعة وأربعين فيلماً أوروبياً هي مجموع الأفلام المشاركة في مسابقة الأفلام الروائية، حيث تنقسم إلى 9 أفلام أوروبية في مسابقة الروائي الطويل، وستة وثلاثين فيلماً في مسابقة الأفلام القصيرة.

وقبل الحديث عن المشاركة المصرية يجدر التساؤل حول تيمة المهرجان نفسه، فما الذي يجمع ما بين السينما المصرية والأوروبية كي نصنع لهم مهرجانًا يضمهم دون بقية سينمات العالم؟! جغرافياً تنتمي السينما المصرية إلى السينما الأفريقية وسينما البحر المتوسط وربما مجازًا السينما الآسيوية على اعتبار أنها البلد الوحيد الذي يقع جزء منه داخل القارة الآسيوية، لكن في المقابل فلا شيء يجمعها مع قارة أوروبا.

وربما لا توجد إجابة واضحة على هذا السؤال ضمن فعاليات تلك الدورة، فالسينما المصرية نفسها لم تتأثر بالسينما الأوروبية عامة سوى على مستوى تيارات واتجاهات فردية أو عابرة على طول تاريخها، حيث كانت السينما الأمريكية ولا تزال هي الأكثر تأثيرًا على نظيرتها المصرية، لكن نستطيع أن نخمن أنه حتى لو لم تكن هناك تأثيرات مباشرة بين السينما الأوروبية والسينما المصرية، فإن هذا النوع من المهرجانات يمنح الفرصة لحالة تلاقي ثقافي واطلاع متبادل من قبل صناع السينما والنقاد الأوروبيين على الأفلام المصرية، خاصة في التظاهرات الموازية مثل البرنامج الاستعادي للأفلام التي صورت في الأقصر وبرنامج تكريم الممثل أحمد حلمي.

من جهة أخرى، فهو فرصة جيدة لصناع السينما والنقاد المصريين للاطلاع على أحدث إنتاجات السينما الأوروبية التي لا تعرض من خلال دور العرض التي تقع تحت سيطرة توزيع الفيلم الأمريكي.

«بعد الموقعة» ومسابقة الأفلام الطويلة:
وبالنظر إلى المشاركة المصرية في مسابقتي المهرجان للأفلام الروائية، يأتي فيلم «بعد الموقعة» للمخرج يسري نصر الله كممثل وحيد للسينما المصرية ضمن عشر في مسابقة الأفلام الطويلة، وجاء العمل على حد تعبير بعض النقاد في دورة مهرجان كان الأخيرة «لا يطاق»، حيث شارك الفيلم في المسابقة الرسمية لدورة المهرجان الأخيرة ولأسباب يبدو أنه لا علاقة بينها وبين مستواه السينمائي، فهو تجربة متواضعة على المستوى الإخراجي والبصري وشديدة التشوش والغموض على المستوى الدرامي والسياسي على حد سواء، صحيح أن الفيلم يشارك في عرضه العربي والمحلي الأول من خلال المهرجان، لكن هذا لا يشفع له المستوى الضعيف، خصوصاً أن حكاية الثلاثي ريم الناشطة السياسية ومحمود السايس من نزلة السمان الذي شارك في موقعة الجمل وفاطمة زوجته التي تجد نفسها في صراع نفسي بين حب زوجها لريم ورغبتها في أن تعيش معه حياة كريمة كان من الممكن أن تصنع فيلما جيدا بعيدا عن حالة الأدلجة الغريبة وإقحام الرطانة السياسية المرسلة والأفكار المشوشة للحوار والمواقف.

لم يبذل صناع الفيلم جهداً في رسم الشخصيات بشكل فني، وبالتالي جاءت دوافعهم هزيلة وقراراتهم عشوائية لا يحكمها منطق درامي، كما أن إصرار الفيلم أن يتبنى وجهة نظر الدفاع عن سياس نزلة السمان الذين ذهبوا إلى التحرير«مُضللين» للحفاظ على أكل عيشهم لم يأت بشكل واعٍ سياسيًا لحساسية الموضوع، وإنما جاء مستفزًا في انحيازه، صحيح أن الانحياز جزء من رؤية الفنان، لكن هناك فرق بين الانحياز الواعي وبين الانحياز المبني على انفعال سطحي واضح.

وبما أن الفيلم افتقد الكثير من مقومات الصراع الدرامي الصحي، فقد جاء المونتاج، وهو أحد أدوات الحكي الأساسية، قافزًا مبتوراً متخبطاً، والتصوير باهتًا لا يهتم بعمق الدراما، وغير مضيف للحالة البصرية للفيلم أي بصمة مميزة.

مسابقة الأفلام القصيرة:
في المقابل فإن مسابقة الأفلام القصيرة قد حملت مشاركة أربعة أفلام مصرية، وهي على الترتيب: «موعد غرام» للكاتب هاني فوزي في أولى تجاربه الإخراجية، و«السندرة» للمخرج محمد شوقي، و«كما في المرآة» لتامر سامي، و«زفير» لعمر الزهيري، وهو العمل الذي يحمل بعض التألق السينمائي الذي يجعله على مستوى المشاركة في المهرجان، أما التجارب الثلاثة الأخرى فهي شديدة التواضع.

فيلم هاني فوزي يحكي عن رجل يتلقى جوابًا غراميًا من امراة مجهولة فيظل في حيرة أيذهب للقائها أم لا، واعتمد على تقنية اللقطة المسرحية الطويلة، حيث نرى الشخصية من زاوية واحدة طوال الوقت تتحدث مع نفسها في مونولوج طويل ومفتعل، كما أن إصرار المخرج وهو نفسه كاتب السيناريو على بث حالة من الهزل في الحوار وتعبيرات الممثلين أفقد الفيلم الكثير من رصانة الفكرة، وهي في جوهرها كوميديا سوداء، لأن الرجل يكتشف من خلال هذا الخطاب أنه بالفعل لا يحب زوجته، حتى عندما يعلم أن زوجته هي التي أرسلت الخطاب كدعابة منها كي تبعده عن المنزل لنصف يوم، لذلك فإن الحوار الهزلي والإصرار على الكوميديا اللفظية إلى جانب بطء الإيقاع المشهدي ومسرحية اللقطة أفقدت فكرة هذا الفيلم كثافتها وقوة انفعالها.

أما فيلم «السندرة»، فهو تجربة تفتقد الكثير من التماسك على مستوى الأداء، رغم إنسانية الفكرة، فالعلاقة المنقطعة بين الأب المصاب والابن الذي فقد أمه ففقد معها صلته بأبيه الذي يريده أن يكمل دراسة لا يحبها، ومن خلال رحلة عبر الماضي يلعب فيها الفلاش باك الدور الأساسي يستعيد الأب والابن علاقتهم عندما يعثرون عما كان يجمعهم في السندرة القديمة للبيت، هذه الفكرة لم تتم معالجتها حواريا بشكل راق أو فني، فالحوار غلب عليه الافتعال، ولم تكن ثمة مساحة للحكي البصري، بل عملية عرض للشخصيات وتطوير للأحداث ووصول للذروة عبر الحوار دون أن يكون للصورة نصيب من السرد.

وفي فيلم «كما في مرآة» يقدم المخرج تامر سامي تيمة مكررة عن الفتاة الرقيقة المتزوجة من رجل قاسٍ وتقع في حب شاب آخر يناسبها روحيا، وكأنما كلاهما ينظر في مرآة كلما نظر أحدهم للآخر، هذه التيمة التي تعتمد على فكرة المثلث الشهيرة «الزوج والزوجة والحبيب»، لكن عندما يصبح الزوج ضابط أمن دولة عنيف وشرس وحقير والحبيب هو المناضل الشريف الشاعر تقع التيمة في فخ النمطية والمباشرة لدرجة تفقد كل الحالة البصرية التي اجتهد المخرج في تقديمها أي قيمة، فالاجتهاد البصري يتحول إلى مجرد شكلانية عندما تفقد الفكرة قوامها الدرامي الممنطق والطازج ومحاولة إحداث أي إسقاط سياسي عبر تناول مباشر وفج، كأن يكون ضابط أمن الدولة الذي يضرب الزوجة لطلبها الطلاق هو نفسه من يعذب الحبيب فهذا لا يعني سوى اختصار الأمر في مراهقة فكرية وسياسية باهتة.

أما الفيلم الرابع ضمن الأفلام المشاركة في المهرجان فهو «زفير» من إخراج عمر الزهيري، وهو أنضج هذه التجارب وأكثرها تماسكا وقوة، وكان من الممكن الاكتفاء به لضمان تمثيل مشرف للسينما المصرية في المهرجان، صحيح ان التيمة مكررة عن الرجل الذي يعيش مع امرأة مشلولة ونتابع عبر يوم كامل تفاصيل اعتناءه بها، إلا أن المخرج استطاع ان يحتفي جيدا عبر زوايا الكاميرا وايقاع اللقطات ودرجات الأضاءة، لتتحول تلك التفاصيل إلى أن تصبح هي الحبكة نفسها، فالصراع الدرامي في الفيلم هو صراع إرادة الرجل ضد مرض المرأة وتمددها نصف ميتة أمامه أنه يبقيها على قيد الحياة عبر القيام بكل الوظائف الحيوية التي يجب ان تقوم بها كالأكل ودخول الحمام والاستحمام دون أن يظهر عليه أي كلل او ملل او تعب بل يبدو أن كل ما يسعى إليه هو أن يظل تنفس المراة منتظماً وأن يسمع صوت زفيرها ليطمئن أنها لا تزال على قيد الحياة، وهي إحدى قراءات عنوان الفيلم الذي يأتي ككلمة نكرة مجردة ذات دلالات متعددة داخل العمل