سؤال كان يتبادر للذهن لكل من سافر الى المملكة المتحدة أو دول شبه القارة الهندية أو استراليا..
لماذا تقاد السيارات في هذه الدول في الجهة اليسرى من الطريق حيث عجلة القيادة على اليمين في حين أن القطاع الاغلب يسير على اليمين حيث عجلة القيادة في الجهة اليسرى ؟؟
واحيانا تجد سيارات تحمل لوحات هيئة دبلوماسية وجمرك تمشي في الطريق بجوارك فتندهش أن قائدها بالقرب منك يجلس في سيارته على اليمين.. في شوارع القاهرة... فيقفز السؤال التقليدي الى ذهنك مرة اخرى لماذا الاختلاف الذي يكون هذه المرة ليس برحمة .. لأن السير بمقود على اليمين في دول تسير طرقها في الناحية اليمنى من الطريق يشكل خطورة وترتفع نسبة الحوادث معها بقوة.
لكن الامر ليس كما تعتقد فهناك أصلا لكل شئ .. هناك سببا لكل اختلاف .. وقد تتعجب أن الاصل في القيادة على عكس ما نسير وعلى خلاف ما نحن تعودنا .. اقرأ وستعرف.
تمثل القيادة في الجهة اليسرى ربع دول العالم تقريبا, اغلبها من دول الكومونويلث (المستعمرات البريطانية سابقا) لكن لماذا لم يتفق العالم على أن تقاد السيارة من جهة واحدة فقط؟؟
ما الأصل؟ أن تكون القيادة على اليمين أم على اليسار؟؟
الأصل هو أن تكون على اليسار مثل القيادة في بريطانيا, ولكن ما هو السبب؟؟
السبب الحقيقي يعود إلى ما قبل فترة اختراع السيارة أصلا, حيث كان اغلب الناس يمشون بالجهة اليسرى من الشارع, خصوصا في المجتمعات الإقطاعية العنيفة والتي تكثر بها نسبة
الجرائم.
و لأن اغلب الناس هم من يستخدمون يدهم اليمنى, كان ضروري المشي على الجهة اليسرى من الشارع لكي تمسك سلاحك أو سيفك بيدك اليمنى ولكي يكون خصمك قادم من الجهة المقابلة ,بالتالي تكون المنازلة بالسلاح أسرع والاستعداد على أتمه, يعني تخيل لو تمشي على اليمين وتحمل سيفك باليمين وقابلت عدو من الجهة الأخرى, ستكون اليدين بعيدة عن بعضهما.
سبب أخر لجعل القيادة على اليسار, هو أن الفارس عندما يريد أن يمتطي الخيل, فانه يفعل ذلك
من جهة اليسار, والسبب هو أن السيف يكون على الجهة اليسرى من الخصر, بالتالي من الصعب جدا امتطاء الحصان من جهة اليمين,بالتالي فان عملية الترجل من الحصان يجب أيضا أن تكون من الجهة اليسرى, وذلك لكي يعمل الحصان كحاجز بين الفارس والطريق لأنه أحيانا يريد الفارس النزول بشكل سريع أثناء مشي الحصان, نزوله على الجانب الأيمن سيشكل خطورة عليه.
في أواخر القرن الثامن عشر (1700-1799) كان قائدو عربات الشحن الزراعية في فرنسا
والولايات المتحدة الأمريكية يقومون بقيادة عربات تجرها الخيول, ولم يكن هناك مقعد للسائق
على العربة نفسها, بل كان السائق يركب احد أخر حصان على الجهة اليسرى من العربة لكي
يستخدم يده اليمنى في ضرب الخيول لكي تزيد من سرعتها , وبما أن الجميع يركب على اليسار, أصبح من الضروري أن يلتزم بالجهة اليمنى من الطريق لكي يستطيع رؤية العربات المقبلة ولكيلا تحجبها الخيول.
بالإضافة إلى ما سبق, كانت الثورة الفرنسية من أهم أسباب القيادة على اليمين, والسبب هو أن الارستقراطيين كانوا يسيرون على الجانب الأيسر من الطريق بالتالي يجبرون الطبقة الكادحة بالسير على اليمين للترفع عنهم, لكن الثورة أجبرتهم على مساندة الطبقة الكادحة (الفلاحين) وبالتالي السير معهم وانتفاء السير على الجهة اليسرى من الطريق. وبعد ذلك بـ5 سنوات اصدر قانون المرور الفرنسي في باريس حيث نظم السير واعتمد
الجهة اليمنى رسميا.
بعد ذلك بفترة, حينما قام نابليون باحتلال الدول الأوربية (هولندا – بلجيكا – ألمانيا –بولندا,
سويسرا – أجزاء من اسبانيا والبرتغال) , كان يفرض عليهم النظام الفرنسي حيث الالتزام
بالجهة اليمنى من الطريق, الدولة التي قاومت نابليون هي بريطانيا, بالتالي تمسكت بالجهة
اليسرى من الطريق.
بعد فتوحات نابليون أصبحت القيادة على اليمين سمة عالمية, ونظرا للحساسية التاريخية
بين الانجليز والفرنسيين, قاومت بريطانيا العظمى هذه الاتجاه وأصدرت قانونا رسميا في عام 1835يلزم فيه القيادة بالجهة اليسرى, بالتالي أيضا طبقت هذا القانون على جميع مستعمراتها.
على الرغم من إن اليابان لم تكن مستعمرة بريطانية, فان القيادة فيها كانت ولا زالت على اليسار
و السبب يعود إلى القرن التاسع عشر حينما كانت اليابان بحاجة إلى بناء شبكة سكة حديد ونظرا لافتقاد اليابانيين الخبرة في هذا المجال, اضطر اليابانيون إلى الاستعانة بالبريطانيين ببناء
الشبكة الحديدية, وقام البريطانيون بجعل هذه الشبكة من الجهة اليسرى من الطريق, حيث القطار
المقابل يكون قادم من اليمين, استمرت هذه الحالة لمدة 50 سنة قبل أن يصدر قانون رسمي بالقيادة على اليسار في عام 1924 تحديدا.
عندما وصل الهولنديون إلى اندونيسيا لاستعمارها في عام 1596 , قاموا بفرض قانونهم وعادتهم بان تكون القيادة بالجهة اليسرى من الطريق (قبل استعمار نابليون لهولندا عندما أجبرهم بالقيادة على اليمين), وبقيت اندونيسيا على هذه الحالة حتى يومنا, بينما غير الهولنديون اتجاه السير من اليسار إلى اليمين.
قام الانجليز أثناء استعمارهم للولايات المتحدة بفرض عاداتهم في القيادة على اليسار, لكن ما أن
تحررت الولايات المتحدة من الاستعمار الانجليزي, كان الأمريكيون يريدون قطع جميع صلاتهم
بالماضي وكل ما فرضه الانجليز, كما كان للمهاجرين من بقية الدول الأوربية الأثر في تغيير نظام القيادة من الجهة اليمنى إلى اليسار, وأصدرت قوانين رسمية في بنسلفينيا (1793 ) ونيويورك(1804 ) ونيوجرسي (1813 ) بجعل القيادة على اليمين .
على الرغم من التطورات التي حدثت في الولايات المتحدة, كانت بعض المقاطعات الكندية تعتمد
النظام الانجليزي بالقيادة على اليسار مثل (بريتش كولومبيا- نيوفاوندلاند) حتى بعد الحرب العالمية الثانية بقليل, حتى أصدرت الحكومة الفدرالية نظام بتوحيد نظام القيادة وجعله على اليمين ليتوافق مع الولايات المتحدة وباقي المقاطعات الكندية.
وعندما قام نابليون باحتلال تشيكوسلوفاكيا عام 1939أمر بالقيادة على الجانب الأيمن من الطريق بعد أن كانت تستخدم نظام القيادة علي اليسار.
وفي بداية القرن العشرين, أصدرت اغلب الدول الأوربية مثل اسبانيا والبرتغال وايطاليا قوانين
رسمية بجعل القيادة على الجهة اليمنى من الطرق, وذلك لكي تتماشى مع باقي الدول المجاورة
مع نهاية الحرب العالمية الثانية وبروز الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى عالمية بالإضافة
إلى روسيا, كانت هاتين الدولتين تعتمدان القيادة على الجهة اليمنى, أصبح النفوذ الأمريكي يفرض على الدول الآسيوية بالقيادة على اليمين, وفي ذلك الوقت حيث كانت السيارات الأمريكية تستحوذ على اكبر نصيب في السوق العالمي, كانت السيارات الأمريكية مصممة للقيادة على الجهة اليمنى بالطريق وذلك بجعل عجلة القيادة على اليسار من السيارة, مما اجبر الصين وكوريا على اعتماد النظام الأمريكي .
أما في مصر فبعد أن كان النظام المعتمد في القيادة هو التزام جهة اليسار نظرا لخضوعنا للاحتلال البريطاني في ذلك الوقت ولكن بعدما تولي جمال عبد الناصر الرئاسة أصدر أوامره باعتماد القيادة علي الجانب الأيمن من الطريق حيث عجلة القيادة علي اليسار ورحب الشعب بهذا ورؤى في هذا التعديل فرصة للتمرد علي الأعراف والسلوكيات التي حاول أن يرسخها البريطانيون في مصر قبل رحيلهم عنها في محاولة لإبقائها مستعمرة إنجليزية تابعه لهم.
كانت باكستان تعتمد النظام الانجليزي بالقيادة على الجهة اليسرى من الطريق, وفي فترة الستينيات من القرن العشرين قررت باكستان تغيير نظامها إلى النظام العالمي الجديد وهو القيادة على اليمين لكنها تراجعت عن قرارها لسبب غير متوقع, وهو أن قوافل الجمال كانت تسير في الليل في الطرق للاستفادة من نوم سائقي السيارات, وتغيير هذا النظام يعني أن الجمال ستعاكس السير ومن الصعب تعليمها على النظام الجديد, بالتالي استمرت باكستان بالقيادة على اليسار.
كما تعتزم السلطات البحرينية منع استيراد السيارات التي يكون عجلة قيادتها على يمين السيارة كما أوردت صحيفة "جلف نيوز"، وقد حظرت دول مجلس التعاون الخليجي السيارات ذات عجلة القيادة في جهة اليمين منذ عام 2001 من السير على طرقاتها لعدم مطابقتها للمعايير العامة، ولكن البعض يستورد هذه السيارات ثم يعمد إلى تغيير عجلة القيادة من اليمين إلى اليسار مما يعرض بعض معايير السلامة للخطر.
في الستينيات وجدت بريطانيا نفسها منعزلة بنظام القيادة فيها, تعالت الأصوات بتغيير النظام
إلى القيادة على اليمين, لكن الأصوات المحافظة رفضت هذا التغيير بحجة المحافظة على عاداتهم وتقاليدهم بالإضافة إلى التكلفة الباهظة للتغيير , الآن لا توجد إلا 4 دول أوربية فقط تعتمد القيادة على اليسار, وهي : بريطانيا – ايرلندا – قبرص – مالطا – دول شبه القارة الهندية وتضم الهند ,بنجلاديش,النيبال ,سريلانكا وعلي إثر ذلك أعلنت شركة إيران خودرو لتصنيع السيارات إنها تضع برنامجا لتصدير سيارات إيرانيه ذات عجلة قيادة على اليمين إلى أسواق بلدان شبه القارة الهندية.
و هي بذلك تسوق لسياراتها بأسلوب جديد تستطيع به دخول الأسواق الهندية نظرا لما تتمتع به هذه الأسواق من أهمية.
من جهة أخري وجهت نقابة مستوردي وتجار السيارات المستعملة في الجنوب، ونقابة معارض السيارات في جبل لبنان كتابا إلى رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة، طالبتا فيه "بمنع استيراد السيارات ذات عجلة القيادة لجهة اليمين، وذلك بعد العديد من حوادث السير التي حدثت، وبعد الأخبار التي بثتها ونشرتها وسائل الإعلام والصحف عن عمليات التصليح والتلاعب في هيكل هذا النوع من السيارات التي لا تصلح للسير لأن خطوط السير في لبنان مخصصة للسيارات ذات المقود لجهة اليسار، وعكس ذلك يهدد سلامة المواطنين ويزيد من حوادث السير الخطيرة .
أما في العراق فقد احتشد نحو ألف متظاهر أمام مبنى المحافظة بالبصرة يطالبون بإلغاء قرار منع استخدام السيارات ذات المقود الأيمن. وتأتي مطالبة المتظاهرين بعدما بدأت شرطة المرور في البصرة بحجز هذه المركبات وخاصة أن المركبات التي توجد فيها عجلة القيادة على اليمين أكثر من نصف المركبات التي تسير في شوارع البصرة ومدن العراق المختلفة.
ورغم أن نظام المرور العراقي يجيز المركبات ذات المقود الأيسر فقط إلا أن هذه المركبات انتشرت بكثافة بعد إدخالها من دول أخرى في فترة السماح الجمركي التي تلت سقوط نظام صدام حسين واستمرت لأكثر من عام.
الان, لماذا عجلة القيادة في الجانب الأيسر من السيارة في الدول التي تعتمد النظام الأيمن, والعكس؟؟
نرجع إلى عام 1908 حيث تجيبنا شركة فورد عن هذا السؤال :
يقول دليل شركة فورد:
أن جعل عجلة القيادة على اليمين بينما تأخذ الجانب الأيمن من الطريق سيحدث مشكلة خصوصا
عند الرغبة في دخول الطريق بشكل موازي, حيث لم يكن في ذلك الوقت وجود للمرايا الجانبية
وهذا يعني انه على السائق النزول من السيارة والدوران حولها لمعرفة حالة الطريق وهل هناك
سيارة قادمة, بينما لو جعل المقود على الجهة اليسرى فان السائق ما عليه سوى النظر من النافذة
لمعرفة هل هناك سيارة قادمة من الخلف أم لا.
كما أن هناك سبب رئيسي أخر لا يقل أهمية عن الأول, وهو عند الرغبة في تجاوز سيارة أمامك وجود السائق على الجهة اليسرى يسهل عليه رؤية المركبة القادمة من الاتجاه الأخر وذلك بالخروج مسافة بسيطة نحو اليسار, بينما لو كانت عجلة القيادة على اليمين فانه عليك أن تخرج من مسارك بشكل كامل لرؤية السيارات القادمة , وهذا خطير جدا.
نظرا لوجود نوعين من السيارات, حيث عجلة القيادة علي الجانب الأيسر مرة وعلي الجانب الأيمن مرة, أصبح وجود معايير دولية لتصنيع بعض القطع الداخلية في السيارة أمر ضروري, مثل أماكن دواسة البنزين والفرامل والدبرياج وأيضا إشارة الانعطاف .