بانر

الاعلام المصرى


انطلاقا مما يشهده عالمنا المعاصر منذ نهايات القرن الماضي من ثورة تكنولوجية في مجال الاتصالات والمعلومات تأتي ظاهرة البث التليفزيوني المباشر عبر الأقمار الصناعية والانتشار الواسع للقنوات التليفزيونية الفضائية أحد أهم القضايا التي تستحق المناقشة. وقد كان من الطبيعي أن تبادر المنطقة العربية إلى التعامل مع المستحدثات الاتصالية في مجال الفضاء حتى أنه لم يكد ينقضي عام 2001 إلا وقد أصبح لكل دولة من الدول العربية صغيرة كانت أم كبيرة قناة تليفزيونية فضائية واحدة على الأقل. وفي ضوء المنافسة الشديدة التي تشهدها المنطقة العربية بين هذه الفضائيات وتباين الجهات المالكة لها، تبرز ضرورة دراسة المضامين المختلفة التي تقدمها هذه الفضائيات بعامة والمضامين الدينية بخاصة.

وقد تصدى لهذه الظاهرة الباحث «محمد أحمد هاشم إمام الشريف» المعيد في شعبة الإذاعة والتليفزيون بقسم الصحافة والإعلام بجامعة الأزهر حيث أجرى الباحث دراسته بعنوان «البرامج الدينية في القنوات الفضائية العربية» دراسة تحليلية وحصل بها على درجة الماجستير في الإعلام بتقدير ممتاز وأشرف عليها الدكتور شعبان أبو اليزيد شمس رئيس قسم الصحافة والإعلام بجامعة الأزهر وناقشها كل من الأساتذة الدكتور على سيد رضا أستاذ الإذاعة ووكيل كلية الإعلام للدراسات العليا والدكتور جابر محمد الطماوي رئيس قسم العلاقات العامة في كلية الإعلام بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا.

الإعلام والفضائيات

تناول الباحث في المبحث الأول أهمية الإعلام، واعتبره وجه واحد من أوجه الحضارات.. غير أنه الوجه المعبر عن العقيدة الدينية والمذاهب السياسية والاتجاهات الفكرية وهو يتأثر بتلك العوامل ويؤثر فيها وفي بعض الأحيان يكون الإعلام هو السلاح الوحيد المستخدم في المعركة.. وقد تكون الحرب التي يشنها الغرب ( أو بعض الغربيين ) على الإسلام في الوقت الحالي أحد الأمثلة الواضحة على ذلك.

والفضائيات العربية بما لها من خصائص وإمكانيات تعد من أهم وسائل الاتصال الجماهيري في العصر الحاضر.. ومن أنسب الوسائل الإعلامية لنقل الرسالة الدينية الإسلامية إلى دول العالم الإسلامي.. سواء كانت هذه الرسالة دينية بحتة أم كانت رسالة عامة تعالج أحدث القضايا المعاصرة انطلاقا من خاصية الشمول التي يتميز بها الدين الإسلامي ووفقا لهذه الخاصية.. فإن المجال مفتوح أمام الخطاب الإعلامي الديني المتخصص لتناول مختلف الموضوعات والقضايا في مجالات الحياة المختلفة. فالدور المنوط بالبرامج الدينية في الفضائيات العربية دور خطير وهام في الوقت نفسه إذا ما أحسن استثماره وذلك من خلال الانطلاق من استراتيجية محددة لا من خلال العمل العشوائي غير الواضح الرؤية وغير المحدد الهدف.

إعلام ديني أم إسلامي؟

وفى المبحث الثاني من الدراسة يتعرض الباحث للمضمون الديني في وسائل الإعلام في العالم الإسلامي حيث يرى الباحث أن المجتمع الإسلامي الذي يطبق الشريعة الإسلامية.. ( مجتمع يطبق الإسلام من حيث العقيدة و من حيث البناء والتنظيم، والإعلام فيه لابد أن يعكس شمول العقيدة وتكامل البناء الاجتماعي ومن ثم فإن كل شيء فيه إسلامي ) .

والإعلام في مثل هذه الحالة إسلامي في صدق أخباره وإسلامي في الترويج والتسلية، وإسلامي في إعلاناته وشرح أخباره وتفسيرها ، أما المجتمع الذي يطبق من الشريعة شيئا ويترك أشياء فإن الإعلام فيه لا يسمى إعلاما إسلاميا وإنما يمثل إعلام ذلك المجتمع شيئا مختلفا مما يشاع في إعلام الدول الغربية الرأسمالية المتقدمة أو ما كان يسمي بالكتلة الشرقية الشيوعية أو خليط منها وبين هذا الخليط نجد جانبا منه يطلق عليه الإعلام الديني أو برامج القيم الروحية والدينية أو ما شابه ذلك من التسميات. لذلك فإن أن أحد مفاهيم الإعلامي الإسلامي يتجاوز المعلومة الدينية التي تنتشر عبر وسائل الإعلام، فالنظرية الإسلامية في الإعلام تبسط على كل المادة التي تبثها الوسيلة الإعلامية سواء اتخذت شكل المادة الإخبارية أو التعليق السياسي أو البرنامج الثقافي أو العلمي أو الاجتماعي فكل هذه الأشكال تتكامل في الإعلام الإسلامي سواء في التزامها مادة وفكرا بمشروعية الإسلام العليا أو ارتباطها عضويا بالنظرية الإسلامية.

ويؤكد الباحث أن النظرة السابقة للإعلام الإسلامي تختلف كليا وجزئيا عن واقع الإعلام الإسلامي في الوقت الراهن حيث يؤكد الواقع أن المجتمعات الإسلامية المعاصرة تأخذ من الإسلام جانبا وتترك جوانب أخرى لذلك لا يمكن أن نقول إن الإعلام السائد في هذه المجتمعات هو إعلام إسلامي بمعني أن وجود إذاعة للقرآن الكريم أو صفحة للشئون الدينية في صحيفة ما أو قناة فضائية متخصصة في الشئون الإسلامية أو برامج دينية في التليفزيون أو الراديو لا يعني أنه يتم تطبيق الإعلام الإسلامي، ومن ثم فإنه في ظل الواقع المعاصر لمجتمعاتنا الإسلامية أصبح الإعلام الإسلامي صورة من صور الإعلام المتخصص.. وهو الإعلام الديني. ويشير الباحث إلى أن وسائل الإعلام قد فقدت توجهها الإسلامي السليم.. الأمر الذي كان له انعكاساته السلبية على الأمة الإسلامية.. على الرغم من أن هناك ثوابت مشتركة يمكن أن يلتزم بها الإعلام الإسلامي من الممارسة، إلا أننا لا نجد قدرا ولو يسيرا من الالتزام.

وعلى المستوى الدولي نجد أن الإعلام الإسلامي لا يكاد يوحد جهوده في قضية من قضايا المسلمين على كثرة قضايا العالم الإسلامي من احتلال لأرض الغير، جرائم إبادة للجنس ترتكب ضد المسلمين، اضطهاد يقع على الأقليات المسلمة في الدول الغربية، إساءة مقصودة ( وربما غير مقصودة أحيانا ) للشريعة. إن هذه القضايا وفق ما يراه الباحث تقتضي من الإعلام الإسلامي أن يوجه إليها الاهتمام الأكبر وأن تتعاون مؤسسات الإعلام في الدول الإسلامية في مواجهة تلك الأخطار ولديها من الإمكانات الكثير ولكن الذي تفتقده كليا أو جزئيا هو التعاون الحقيقي الذي تتطلبه هوية الإعلام الإسلامي.

سمات مضمون الديني

وتحت عنوان: سمات المضمون الديني ومردوداته على وسائل الإعلام في العالم الديني المتخصص لابد أن تنطلق من موضوعات وقضايا من المنظور الإسلامي للإنسان والكون والحياة و... ( وذلك من النصوص والمصادر الأصلية المعتبرة ) ، فعملية إنتاج المواد الدينية تحكمها غاية معينة وتستقي مضامينها من سياق أحادي المصدر والمنهج يسعى لتحقيق رسالة مفيدة وهو ما يجعل انتقاء هذه المواد مترابط الفكر والتوجه ولا يعني ذلك أن تتحول أجهزة الإعلام إلى أجهزة «كهنوتية» من أجهزة الاتصال، فالقاعدة الثابتة التي تحكم النشاط الإعلامي من المنظور الإسلامي وإن كانت مؤسسة على ثوابت عقائدية لا يجوز التغيير والتبديل فيها إلا أن هذه القاعدة متحركة تقبل التجديد بمن يتلاءم مع مقتضيات العصر.

ولأن الدين الإسلامي كما يقول الباحث يتسم بخاصية التحول فرسالة الإسلام لكل الأزمنة ولكل الأمكنة ولكل الأمم وهي رسالة تخاطب الإنسان في مختلف جوانبه ومراحله ووفقا لهذه السمة فان المجال المفتوح أمام وسائل الإعلام الإسلامي والدين المتخصص لتناول مختلف الموضوعات والقضايا في شتي مجالات الحياة اجتماعية كانت أو سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو علمية.. وتتناول كل ما يتعلق بالإنسان من قيم وأحكام كما تعرض هذه الوسائل لما يستجد من أحداث وقضايا في المجتمع لتبين أسلوب معالجتها من المنظور الإسلامي. هذا فضلا عن الجوانب الاعتقادية والتعبدية ومختلف ألوان المعاملات داخل المجتمع. ومن السمات الهامة أيضا لمضمون الدين الإسلامي أنه عالمي التوجه.. فهو دعوة عالمية لا تصطدم بالحواجز الإقليمية أو القومية أو الدولية ، وفي هذا الإطار فان مجال التغطية الجغرافية لوسائل الإعلام الديني لا يجب أن يقتصر على المجتمع الذي تصدر فيه وإنما تتناول أهم قضايا المسلمين في العالم بل أن عالمية رسالة الإسلام تقتضي أن تعرض وسائل الإعلام الإسلامي التطور الإسلامي لعلاج القضايا ذات الطبيعة العالمية والتي تؤثر في البشرية كلها مثل قضايا العولمة ، الإرهاب صراع الحضارات لتثبت دائما للعالم إننا جزء من مليارات البشر الذين يعيشون في هذا العالم وأن من حق الإسلام علينا ومن حق اشتراكنا في هذا الكوكب أن نتبادل وجهات النظر وأن نقدم له خير ما لدينا وهو ديننا لا يفرضه عليه وإنما بتقديم وجهة نظرنا في المشكلات المتباينة من منظور إسلامي فهذا أفضل عرض مقنع للإسلام عندما نكون أمام (آخر) مختلف دينيا وثقافيا عن عالمنا الإسلامي وانطلاقا من هذه السمة تقوم وسائل الإعلام الديني بالعمل على تحقيق التعارف والتآلف والتضامن بين المسلمين..( بما ولا يلغي أويجمد النقد الإيجابي فيما بين المسلمين ويحقق التعارف بين المسلمين وغيرهم ) وذلك من خلال التعريف بأحوال المسلمين في مختلف أنحاء العالم سواء كانوا في دول إسلامية مستقلة أو أقليات مسلمة في دول أخرى وتسليط الضوء على أهم مشكلاتهم، والتحديات التي تواجههم واقتراح الوسائل المناسبة لمساعدتهم.

وتتزايد أهمية هذا الدور في ضوء التقصير الواضح من جانب وسائل الإعلام الإسلامي أو الإعلام الديني المتخصص تجاه قضايا الشعوب والأقليات الإسلامية مما أوجد فجوة معرفية بين الشعوب الإسلامية.

الوسطية الإعلامية

يؤكد الباحث أن من أخص السمات التي تميز بها الإسلام عن الأديان والمذاهب والفلسفات الأخرى «الوسطية» الأمر الذي انعكس على العلاقة بين الدين والدولة في الإسلام، فالدولة في الإسلام ليست الدولة الدينية التي عرفتها التجربة الغربية وإنما هي دولة مدنية ولكنها لا تخرج عن القواعد الكلية والمقاصد الإسلامية. وينبغي أن تنعكس هذه الخاصية على وسائل الإعلام الإسلامي أو الدين المتخصص من أكثر زاوية وذلك على النحو التالي:

تبني هذه الوسطية في معالجتها لمختلف القضايا والموضوعات وذلك من خلال عرض الفكر الإسلامي الوسطي فلا إفراط ولا تفريط.

التوازن في عرض الموضوعات والقضايا بحيث لا يطغي جانب على آخر ولا يغفل مجال من المجالات فلا تتوسع وسائل الإعلام الإسلامي في قضايا العقائد والعبادات على حساب قضايا المعاملات أو تهتم بالموضوعات التي تتعلق بدول أو مناطق بعينها على حساب موضوعات باقي الدول أو المناطق الأخرى.

المضمون الديني في الفضائيات العربية

يرصد الباحث بطريقة موضوعية بعض الملاحظات المبدئية المتعلقة بالمضمون الديني المعروض على شاشات الفضائيات العربية الحكومية والخاصة ومن أهمها:

أن هناك اهتمام عام بالبرامج الدينية في القنوات الفضائية العربية الحكومية، فلا توجد قناة فضائية عربية حكومية لا تهتم بعرض البرامج الدينية، إلا أنه من الملاحظ انخفاض نسبة المساحة الزمنية المخصصة لهذه البرامج فعلي سبيل المثال بلغ إجمالي إرسال قطاع القنوات الفضائية المصرية خلال عام 2001/2002 ما يعادل (22990) ساعة ونصف الساعة موزعة على القنوات العاملة (الفضائية الأولي، الثانية، والنيل الدولية). وبتوزيع هذا الكم من ساعات الإرسال وفقا لألوان البرامج والمواد المذاعة تبين أن نسبة البرامج الدينية لا تتجاوز (99,4%) من إجمالي ساعات الإرسال بالبرامج الدينية التي تقدمها هذه الفضائيات من قبل الجمهور في العالم الإسلامي خاصة الدول العربية.

أن نسبة كبيرة جدا - لا يستثني منها إلا القليل - من الأفكار والقضايا المثارة في المضمون الديني الذي تقدمه الفضائيات الحكومية غالبا ما ترتبط باتجاه النظام السياسي الحاكم نحو هذه القضايا والموضوعات مما يحد من قدرة هذه البرامج على معالجة قضايا وموضوعات ملحة أو مجرد التجاوب معها.. بل يصل الأمر إلى أن تفرض الأنظمة السياسية على هذه البرامج الدينية اتجاها واحدا لا ينبغي أن تتجاوزه.. انطلاقا من الدور الذي يحدده هذا النظام السياسي للدين وعلاقته بالأنظمة المختلفة في المجتمع، الأمر الذي يجعل هذه البرامج تركز على قضايا وموضوعات قديمة وتغرق المشاهد في قصص وبطولات تاريخية ولا تحفل كثيرا بقضايا المجتمع الإسلامي المعاصر ويندر أن تتعرض هذه البرامج لقضايا حيوية معاصرة كالعولمة وصراع الحضارات والغزو الفكري والثقافي وبذلك تخرج مثل هذه البرامج عن دائرة البرامج الدينية الناجحة التي تتحدث بلغة العصر وتعالج مشاكله، حيث لا يتجاوز دور هذه البرامج الدور التقليدي للبرامج الدينية في وسائل الإعلام المختلفة والذي يتركز حول الوعظ والتوجيه والإرشاد، كما أن المضمون الديني الذي تقدمه غالبا ما يتسم بالتكرار ولا يتطرق للموضوعات والقضايا السياسية والاقتصادية والثقافية الحيوية وعلى الرغم مما تتمتع به بعض القنوات الفضائية الحكومية مثل «الفضائية المصرية» بقدر من الحرية في مناقشة القضايا المطروحة على الساحة الدينية في الفضائيات المصرية فإنه لا يرتفع لدرجة تسمح بمناقشة مختلف القضايا، فهناك من القضايا ما لا يمكن الاقتراب منه كالقضايا المتعلقة بالنظام السياسي في مصر.

انخفاض اهتمام الفضائيات العربية الخاصة بالبرامج الدينية سواء من حيث عدد هذه البرامج أو من حيث المساحة الزمنية المخصصة لهذه البرامج، إلا أنه يحسب لهذه القنوات خاصة التي تقوم بعرض وتقديم البرامج الدينية أنها عملت على توسيع دائرة الحوار في برامجها الدينية حول بعض القضايا والموضوعات التي اصطلح على تسميتها بالقضايا الحساسة مثل التعاقب السياسي على السلطة وأنظمة الحكم في العالم الإسلامي والديمقراطية وغيرها من القضايا التي لم يكن بالإمكان مناقشتها في السابق في البرامج الدينية ومثال ذلك برنامج «الشريعة والحياة» الذي تبثه قناة «الجزيرة»، وبرنامج «هذا بلاغ للناس» الذي تبثه قناة «دريم الثانية».

الخطاب الديني تطوير أم تسييس؟

وفي المبحث الأول من الفصل الثاني من الدراسة يتعرض الباحث لقضية تطوير الخطاب الديني ومنطلقات الدعوة إلى ذلك التطوير ومن أهمها الصورة النمطية المشوهة للإسلام والمسلمين في الغرب فيرصد بعض الكتب والدراسات والبرامج الغربية التي لا تخرج في مضامينها غالبا عن تقديم «صورة نمطية» مقبولة ومترسبة عبر مئات السنين تستهدف الاغتيال المعنوي للشخصية المسلمة بتقديمها في صورة سلبية، حيث أن النظرة إلى الإسلام في الغرب فيها الكثير من الحذر والتخوف. ويستعرض الباحث من وسائل الإعلام المختلفة كيفية صنع هذه الصورة الذهنية عن الإسلام والمسلمين حيث يعرض نماذج للممارسات السلبية ضد العرب والمسلمين في الغرب منها على سبيل المثال: كتاب « التهديد الإسلامي: الوهم والحقيقة » لجون لاسيو سيتوا عام 1993 وكذلك فيلم « أمير مصر » والذي أنتجته هوليود ورفضت جزر المالديف عرضه كذلك فيلم « المومياء » الأمريكي الذي تعمد تهميش الشخصيات العربية وتصويرهم في صورة سطحية غارقة في الأساطير والجهل.

أما عن البرامج فيرصد الباحث برنامج «سيف الإسلام» الذي كانت تعرضه القناة الرابعة لهيئة التليفزيون البريطاني عام 1987 حيث تحدث البرنامج عن أن هناك محنة سوف يواجهها العالم بسبب المد الإسلامي وأن الخطر الجديد الذي يهدد البشرية هو الإسلام وغيرها من الأمثلة مثل كتاب «آيات شيطانية» لسلمان رشدي وكتاب «بين المسلمين» لنا يبول والذي أساء فيه إلى الإسلام والمسلمين، وكذلك رصد الباحث نماذج كثيرة من كل ما كتب في الصحف والمجلات الغربية.

الخطاب الإعلامي بعد 11 سبتمبر

ثم يرصد الباحث أيضا خطاب الغرب عن الإسلام بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 فقد ذهبت وسائل الإعلام الغربية تستدعي أوراقا وكتابات قديمة وحاضرة.. تصف العلاقة بين الإسلام والغرب بأنها علاقة عداء ويؤكد الباحث أن خطاب الغرب الإسلام والمسلمين بهذه الصورة لم يكن وليد أحداث 11 سبتبمر.. بل هو متجذر في ( بعض ) العقل والوجدان الغربي إلا أن الحملة الشرسة التي تشن اليوم على الإسلام والمسلمين والدعوة إلى تطوير الخطاب الديني بطريقة تجتثه من ثوابته تسعي إلى تحقيق مجموعة من الأهداف تتمثل في:

السعي الحثيث لفصل الأمة عن دينها من خلال الحملة على مبادئ الإسلام وتطبيق أحكام الشريعة وحدودها والنيل من التعليم الديني والقدح في مناهج التعليم في العالم الإسلامي.

شق صف الأمة وبث الصراع بين صفوفها من خلال تقوية التيارات المعادية للدين بغية إضعاف الأمة وإدخالها في خلافات وصرفها عن تحقيق المقاصد العالمية للإسلام.

تغيير هوية الأمة الإسلامية من خلال التأثير عليها للأخذ بمناهج تيارات العولمة بثقافتها المستبدة التي تستهدف الهيمنة والسيطرة.

ويري الباحث في نهاية تحليله لهذه الصورة أن خطاب الغرب عن الإسلام والمسلمين بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 يمثل العنصرية ( لبعض الغربيين ) الغربية في جميع حالاتها إلا أنه لا ينبغي علينا نحن المسلمين أن نكون (كالآخر) في تعميم أحكامه واعتبار الشاذ هو القاعدة و....

ويؤكد الباحث من منطق النقد الذاتي فيرصد واقع الخطاب الإعلامي الديني، فمن الملاحظ أن العالم الإسلامي يميل دائما إلى أن يحمل (الآخر) تبعة مشكلاته وقضاياه وأنه يخطط لمحوه من على خريطة العالم، فهو يتحمس لنقد الآخر ويتغاضى عن نقد نفسه دون أن يبذل أي جهد لإيجاد الحلول لهذه القضايا وانطلاقا من ذلك فإن الخطاب الإسلامي بشكل عام والإعلامي على وجه التحديد قبل أحداث سبتمبر أو بعدها لم يكن على المستوي المطلوب، بل وصف بأنه كان ضعيفا.

هذا القصور ليس أساسا للرسالة الإعلامية الإسلامية، فليس هناك استراتيجية معدة لهذه الأحداث، ولا اتفاق بين الدول على الخطوط الأساسية التي يجب أن تتضمنها الرسالة الإعلامية للعالم الإسلامي خاصة في وقت الأزمات بل يصل الأمر لدرجة يؤكد فيها المشتغلون بالعمل الإسلامي على عجز الخطاب الديني في التصدي للهجوم الذي يتعرض له الإسلام والمسلمون من الغرب في هذه الفترة من تاريخ الأمة الإسلامية. ويصف الباحث الخطاب الإسلامي في الوسائل المطبوعة خاصة الكتاب الإسلامي الذي يتراوح بين العمق الشديد والتبسيط المخل والاهتمام في الغالب بموضوعات أهملها التاريخ وانتهى عصرها على حساب الاهتمام بقضايا المسلمين. أما الخطاب الإسلامي في وسائل الإعلام المرئية فهو خطاب حائر لا مرجعية له، بل أنه خطاب متغرب يستعين بلغة الغرب في التعبير عن مجتمع شرقي إسلامي، وهو خطاب مسئول عن كثير من الانزلاق في السلوك والانحدار عن القيم التي يعرفها الإسلام.

وإذا كانت البرامج الدينية كما يقول الباحث تمثل شكلا من أشكال الخطاب الديني في الوقت الراهن فمن الملاحظ أن الخطاب الإعلامي في هذا المجال يستعين ببعض العلماء ذرا للرماد في العيون، يجلسهم على كراسي ويصورهم يتحدثون بشكل منفرد، إذ لا يستخدم معهم أي فن من فنون الحركة أو التأثير أو الحيوية والجاذبية وإذا تعمقنا في مضمون المادة العلمية أو الفكر الإسلامي الذي يقدم من خلال هذا الخطاب نجده يركز على القضايا والموضوعات التي تتلاءم مع معطيات المجتمع الحديث والتي تتمحور غالبا حول قضايا وموضوعات مكررة وليست جوهرية.

ومن خلال استعراض الباحث لواقع الخطاب الإعلامي الإسلامي داخل المجتمعات والدول الغربية يري الباحث أن هذا الواقع أكثر عجزا وضعفا وتقصيرا في الخارج منه في الداخل كما لابد من الاعتراف بأن الخطاب الإعلامي الديني على وجه التحديد في أجهزة الإعلام يعجز عن نقل الرؤية الإسلامية إلى الغرب ولم يستطع تغيير نظرة الغرب إلى الإسلام والمسلمين ويرجع ذلك إلى:

عدم وجود رؤية إسلامية متفق عليها يستطيع الإعلام الديني نقلها للآخر فالخلافات الفكرية بين العالم الإسلامي كثيرة.

ضعف مستوى القائمين على الإعلام الديني وقد انعكس ذلك على قدرتهم على نقل الرسالة الإعلامية الإسلامية وتوصيلها بكفاءة.

عدم الاهتمام الكافي بالإعلام الديني من جانب المؤسسات الإعلامية ويتمثل ذلك في عدم تخصيص المساحات أو الفترات الزمنية المناسبة لنقل هذه الرسالة.

البرامج الدينية. . تحليل المضمون

وفي الفصل الأخير من الدراسة توصل الباحث إلى عدة نتائج تتعلق بالبرامج الدينية الفضائية العربية حيث يشير إلى أن هناك قصورا في بعض الجوانب وتميزا في جوانب أخري فلا تهتم الفضائيات الخاصة بالبرامج الدينية فيما يتعلق بعددها مقارنة بالألوان الأخرى من البرامج.. كذلك المساحة الزمنية المخصصة لهذه البرامج والتي لا تتجاوز (89,0%).

وكشفت النتائج عن اهتمام البرامج الدينية في الفضائيات العربية الخاصة بالموضوعات السياسية بصفة عامة وبالقضايا والأفكار التي تندرج تحت هذه الموضوعات على وجه التحديد فقد قامت هذه البرامج بمعالجة ومناقشة (302) قضية سياسية متنوعة. حيث تتمتع هذه القنوات الفضائية الخاصة العربية بقدر أكبر من الحرية إذا ما قيست بالقنوات الرسمية مما يوفر لها قاعدة شعبية أكبر ودرجة أعلي من المصداقية بين المشاهدين العرب الذين ضاقوا بأجواء الرقابة والرأي الواحد. كما ركز الخطاب الإسلامي في البرامج الدينية على قضايا الاعتداءات الغربية على العالم الإسلامي فقد جاءت هذه القضايا في المرتبة الثالثة بواقع (85) قضية مثلت (15,28%) من جملة القضايا السياسية التي عالجتها البرامج الدينية في الفضائيات الخاصة.. مما يدل على تفاعل الخطاب الديني التي تعرضت لها الأمة الإسلامية أثناء فترة الدراسة.

كما تشير النتائج إلى مجيء القضايا السياسية المتعلقة بالأقليات الإسلامية في العالم في المرتبة الخامسة بنسبة (97,5%) تلاها قضايا الإرهاب والحظر الإسلامي بنسبة (68,2%) وتتفق النتائج السابقة في مجملها مع من يرى أن الفضائيات العربية الخاصة قد ساهمت في كسر المحرمات السياسية ونقلها من احتكارات القطاع الخاص المتشكل من النخب السياسية والمثقفين إلى ممتلكات ثقافية عامة يتداولها الجمهور في الشارع العربي. وتشير النتائج أيضا إلى اهتمام البرامج الدينية في الفضائيات العربية الخاصة بالقضايا المتعلقة بالمعاملات التجارية والاقتصادية المعاصرة فقد جاءت في المرتبة الأولى بين القضايا الاقتصادية المختلفة.

وفي مجال القضايا الاجتماعية توصلت الدراسة إلى تركيز اهتمام الخطاب الإعلامي في البرامج الدينية على القضايا المختلفة للنظام الاجتماعي في الإسلام حيث جاءت في المرتبة الأولي بنسبة تجاوزت نصف القضايا الاجتماعية التي وردت في مضمون البرامج الدينية (77 قضية) بواقع (22,54%) من إجمالي القضايا الاجتماعية وجاءت قضايا المرأة في العالم الإسلامي في المرتبة الثانية بنسبة (72,19%) وتدل هذه النتيجة على اهتمام الخطاب الإعلامي وإن كان على غير المستوي المطلوب بالقضايا المعاصرة للمرأة في العالم الإسلامي ويفسر ذلك تلك الهجمة الشرسة على الإسلام والتي كانت المرأة والتشكيك في وضعيتها من أحد المحاور الهامة والأسباب لتلك الهجمة.

كما أوضحت النتائج عدم اهتمام البرامج الريفية في الفضائيات الخاصة بقضايا الشباب في العالم الإسلامي فقد جاءت في المرتبة الأخيرة وتناولها يكاد يكون منعدما.

أما عن القضايا الثقافية فقد ركز مضمون البرامج الريفية في الفضائيات العربية الخاصة على القضايا والأفكار المتعلقة بتميز الثقافة الإسلامية وعلاقتها بالآخر والحوار معه (34 دقيقة) بواقع (77,26%) من إجمالي القضايا الثقافية جاء بعدها قضايا العولمة الثقافية (29 قضية) مثلت (84,22%) فالقضايا المتعلقة بصراع الحضارات (59,12%).

وفي المرتبة الخامسة جاءت القضايا المتعلقة بالتراجع الحضاري والثقافي للأمة الإسلامية وجاءت قضايا التجديد في الفكر الإسلامي في المرتبة الأخيرة بنسبة (44,9%).

ولاحظ الباحث من خلال نتائج دراسته أن المستوى اللغوي السائد في البرامج الدينية التي تقدمها الفضائيات العربية الحكومية هو «فصحي العصر» حيث ساد في (78 حلقة) من إجمالي حلقات البرامج الدينية عينة الدراسة بواقع (55,71%) ويرجع ذلك إلى طبيعة ونوعية الضيوف المشاركين في هذه البرامج وإلي طبيعة البرامج الدينية ونفسها والتي يفترض أنها تعتمد على المستوي الجاد من كل شيء.. من الضيوف المشاركين ومن اللغة السائدة ومعروف أن فصحي العصر هي اللغة المشتركة في العالم العربي المعبرة عن هويته وثقافته. كما جاء مستوي «فصحي التراث» في المرتبة الثانية حيث ساد في 26 حلقة بنسبة (86,23%) من إجمالي الحلقات.

وكشفت نتائج التحليل النهائية للدراسة في سمات مضمون الخطاب الإعلامي الديني عن ضعف اهتمام الخطاب الإعلامي الديني في الفضائيات العربية الحكومية بباقي القضايا في المجالات المختلفة فالقضايا السياسية لم تتجاوز (59 قضية) بنسبة (36,9%) كذلك القضايا الاقتصادية (55 قضية) بواقع (72,8%). أما القضايا الثقافية فلم تتعد نسبة الاهتمام بها (87,8%) كما بلغ مجموع القضايا العلمية (47 قضية) بواقع (45,7%). وتشير الدراسة إلى أن القضايا السياسية تكاد تنعدم في مضمون برامج بعض القنوات بالرغم من أن الأحداث السياسية المتلاحقة ويدل ذلك على أنه مازالت بعض الأنظمة العربية تضع حدودا وخطوطا للفلك الذي ينبغي أن يدور فيه الدين فلا يتعداها ولا يتجاوزها مهما كانت الأحداث والظروف التي يمر بها العالم الإسلامي ولا تتفق وضعية الدين والقيود المفروضة عليه من بعض الأنظمة العربية مع ما تتميز به رسالة الإسلام من شمول وأنها رسالة تخاطب الإنسان في مختلف مجالات الحياة. ووفقًا لهذه الخاصية فان المجال مفتوح أمام وسائل الإعلام الإسلامي والديني المتخصصة لتناول مختلف الموضوعات والقضايا التي تعالج مختلف مجالات الحياة كما تعرض هذه الوسائل لما يستجد من أحداث وقضايا في المجتمع لتبين أسلوب معالجها من المنظور الإسلامي.